بيار أبي صعبكان نصري حجّاج يحلم بتحقيق فيلم عن قبور الفلسطينيين، باقتفاء أثر القبور والحكايات المنثورة على الطريق المتعرّجة إلى ذلك الوطن المفقود، الممنوع، الصعب المنال ولو في تابوت. صرف الكاتب والصحافي والسينمائي الفلسطيني سنوات من عمره، لتحقيق هذا المشروع الطموح الذي غامرت في إنتاجه شركة تونسية مستقلّة هي «فاميليا للإنتاج» (الحبيب بالهادي). والنتيجة شريط من 84 دقيقة، بعنوان «ظلّ الغياب»، حافل بالأسماء والأماكن، بالمحطات السياسية والتاريخيّة المهمّة في الذاكرة الفلسطينية والعربيّة المعاصرة. يرزح الفيلم تحت عبء اللقطات المدهشة أحياناً (جورج خضر يرفع دعواته ـ كأنّنا في مسرحيّة إغريقيّة ـ عند قبر إدوارد سعيد في برمانا، لبنان). أو المتوقّعة أحياناً أخرى. كأنّه يتمرّد على صاحبه أحياناً، يجرّه في كل اتجاه، بين المجازر والحروب والذكريات الشخصيّة، بين الوجوه الحيّة في ذاكرتنا الدامية، والمدن أيضاً وأساساً. هكذا يزوغ المشاهد، يبتلعه تاريخ هائج، ممتلئ قهراً ومذابحَ ومنافيَ وحروباًنصري حجّاج الموزّع بين منفيين: تونس حيث عاش بعد خروج المقاومة الفلسطينيّة إليها، ولبنان حيث أبصر النور في مخيّم عين الحلوة، «وسط خليط عجيب غريب من الذكريات والأفكار والحنين والشقاء الذي ينبت في مخيمات اللجوء»، كما يطلع الصعتر والخبيزة فوق أرض الناعمة البعيدة، في فلسطين المحتلة عام 1948. الناعمة بلدة أهله «المدفونة تحت نفسها»، كما يقول بصوته، في الشريط الصوتي لفيلم «ظلّ الغياب»، ستكون محطته الأولى في هذه الرحلة.
ليس من السهل في شيء سبر أغوار تلك الجغرافيا المعقّدة، جغرافيا الروح المثخنة والهويّة الممنوعة. «الأرض رحم الأم» يقول المطران خضر، وإسرائيل ترفض أن يعود الفلسطينيون إلى وطنهم ولو في توابيت، فيما تسمح لتيودور هرتزل وأبنائه بهذا الامتياز.
لذا سنذهب من الناعمة إلى عين الحلوة حيث تروي أم عصام اختفاء ابنها حسام في الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982)، ومن حيفا (إميل حبيبي) ويافا (ابراهيم أبو اللغد)، إلى هانوي (أنور شهاب) وصوفيا (نضال خليل)، ومن Pere La Chaise في باريس حيث يرقد الهمشري إلى جوار مارسيل بروست، وBrookwood في لندن حيث يرقد ناجي العلي في انتظار أن يعود ذات يوم إلى قريته «شجره» في فلسطين، إلى أبو عبيدة في أهوار الأردن حيث دفن أحمد الشقيري على قاب قوسين من أريحا، وبرمانا التي «عاد» إليها إدوارد سعيد، والقاهرة التي احتضنت معين بسيسو، والمقاطعة في رام الله حيث دفن أبو عمّار مع حفنة تراب وشجرتي زيتون من حرم المسجد الأقصى، والقدس حيث دفن فيصل الحسيني. هناك أيضاً المدافن الجماعيّة في عين الحلوة وصيدا وصبرا وشاتيلا، تؤرخ للمذابح المتتالية. من دون أن ننسى أيلول الأسود الذي اختفت آثار شهدائه في جبل الأشرفيّة (عمّان). وهناك حمام الأنف في تونس، مقبرة مخيّم اليرموك قرب دمشق حيث دفن أبو جهاد، ومقبرة الأرقام في إسرائيل، ومقبرة الشهداء في بيروت حيث يرقد جزء أساسي من رموز الذاكرة الفلسطينيّة: الحاج أمين الحسيني وغسان كنفاني وكمال ناصر وماجد أبو شرار...
يستحق الفيلم أن يشاهد أكثر من مرّة، لغزارة فصوله وهوامشه وغنى وثائقه وشهاداته. ولسماع جوليا قصار تقرأ محمود درويش، أو كاميليا جبران تغني «نحن أهلَ الشاطئ الآخر... نحن مطرودون من نفوسنا... دمنا يتحدّى الزمن» (ديمتري أناليس، أسطوانة «وميض»)... إميل حبيبي آخر حياته يتحدث عن «الشهيد الفلسطيني»، ومعين بسيسو يقرأ قصيدته «أنا إن سقطتُ فخذ مكاني/ يا رفيقي في الكفاح...». يطيل نصري حجّاج استعمال المادة الأرشيفيّة أحياناً، كما يضيع في الاستطرادات والهوامش. لكنّه حقق هنا، بلا شكّ، مشروع حياته.


بين 18 و27 الشهر الحالي، تحتفي «متروبوليس» بـ«شاشات الواقع» عبر عرض أفلام وثائقية، تبدأ بـ«كان اسمها سابين» لساندرين بونير عن مرض التوحّد. ويستعيد «ستار السكّر» (19 الحالي) لكاميليا غوزمان أورزوا الثورة الكوبية. وتشكّل الدعارة في كمبوديا محور «الورق لا يسعه تغليف الجمر» (20 الحالي)» لريثي بانه، فيما يسترجع نيكولا فيليبير في «عودة إلى النورماندي» بداياته المهنية. ويدور «لاغرفيلد سرّي جداً» لرودولف ماركون (25 الحالي) حول مصمم الأزياء الشهير. ويرسم «موريس بيالا: الحب موجود» (26 الحالي) لآن ماري فو وجان بيار دوفيّي بورتريه للسينمائي الفرنسي المعروف. للاستعلام 70،106793