خالد صاغيّةلا شيء يقنع الرجل الأبيض بعدم تفوّقه. ابتدع شتّى أشكال النظرّيات العنصريّة ليثبت هذا التفوّق. استمرّ ذلك بعد عصر الأنوار، وبالتزامن مع إطلاق ورش التحديث في العالم الثالث. الأمثلة في الكلام والأفعال أكثر من أن تُحصى، وهي تزيل الاعتقاد السائد بأنّ نبذ العنصريّة هو ابن بارّ للحداثة. وهو اعتقاد ملازم لخرافة أخرى تُحيل القتل الوحشيّ إلى زمنٍ ما قبل حداثيّ.
لكنّ العنصريّة، التي كثيراً ما استخدمها الأوروبيّون تجاه الشعوب الأخرى، ما لبثت أن تفجّرت داخل أوروبا نفسها، وتجاه جزء من الأوروبيّين أنفسهم. فكانت المحرقة، وكانت حرب عالميّة. حينها فقط، بدأت علامات الاستفهام ترتسم كبيرةً حول الخطاب العنصريّ.
لكنّ هذا المحرَّم الجديد صار مكبِّلاً لمن يرفض في الغرب أن يكون متساوياً مع الآخرين. كان لا بدّ من استنباط فكرة أخرى لا تخرج عن نطاق «اللائق سياسيّاً» (Politically Correct). فتمخّضت العبقريّة الغربيّة عن نظرة جديدة: ليست شعوب العالم الثالث متخلّفة جينيّاً. إنّها متخلّفة ثقافيّاً. فنحن كلّنا بشر متساوون، لكنّ منّا من يتمتّع بثقافة متفوّقة تُدخله جنان التقدّم الفسيحة، ومنّا من يحمل ثقافة أقلّ شأناً تدفعه نحو الغرق في بحار التخلّف. هكذا يمكننا التمسّك بشرعة واحدة لحقوق الإنسان، ثمّ نقسّم الناس درجاتٍ وفقاً للثقافة التي يتوارثونها.
لقد وجد الرجل الأبيض طريقه للعودة إلى نقطة الانطلاق، من باب الثقافة هذه المرّة. حركة 14 آذار المجيدة، إذ تتحدّث عن الانقسام الثقافي، تحاول استخدام الباب نفسه. أليست هي رجل لبنان الأبيض؟