أدباء من جنسيّة قيد الدرس... يبحثون عن الحريّةجيل جديد في مصر ينمو على هامش الثقافة السائدة، يكتب بالإنكليزية ويحلم بها، هاجراً العربيّة لأنها بالنسبة إليه «لغة المحرّمات». مروة رخّا وعمرو خالد نموذجان لهؤلاء الكتّاب الشباب الذين دخلوا الأدب من باب موارب، كي يعبّروا بصدق عن تجاربهم، ويطرحوا أسئلتهم الجريئة...
القاهرة ـ محمد شعير
في عيد الميلاد ورأس السنة وعيد الشكر، كانت الجدة تجمع أفراد العائلة للاحتفال. وعندما رحلت الجدة، قررت العمة أنّ احتفال أسرة مسلمة بأعياد مسيحية حرام. كان قرارها واحداً من الصدمات التي تلقتها الطفلة مروة رخا التي راحت تسأل: هل العيب في الثقافة العربية؟!
سؤال جعل الفتاة ذات الـ 16 عاماً ترفض كل ما يمتّ إلى الثقافة العربية بصلة! وبدلاً من أن يكون بهاء طاهر وإحسان عبد القدوس وعبد الحميد جودة السحار كتّابها المفضّلين، انتقلت لتقرأ شكسبير ووليام بليك، باختصار كما تقول: «عشت أكثر من حياة في عمر واحد». ومن هنا بدأت الكتابة بالإنكليزيةمروة رخا (1975) اليوم كاتبة لها مكانتها في الحياة الأدبية والثقافية، أصدرت عملاً أدبياً واحداً اختارت له عنواناً «الشجرة المسمومة التي نمت في مصر». نفدت طبعته الأولى فى أقل من شهر، وتصدر خلال أيام طبعته الثانية. هذا العمل الأدبي لماذا لم تكتبه بالعربية ؟ «أنا أفكر بالإنكليزية، وأحلم أيضاً بها. لذا من الطبيعي أن أكتب بها، لأنني أشعر كذلك بأنّ العربية حمل ثقيل». لكنّ الموضوعات التي تتناولها في كتابها تخص الواقع العربي. تقول: «بالتأكيد. أرى أن اللغة جزء من الثقافة. عندما أريد أن أعترض على أشياء في ثقافة أشعر تجاهها بالاختناق، فلا بد من ألّا أستخدم لغة هذه الثقافة. كلما فكرت في أن أكتب بالعربية، شعرت بأنّ الأفكار تموت في داخلي ولا تكتمل»درست مروة الأدب الإنكليزي، ولم تعش خارج مصر سوى ثمانية أشهر في الولايات المتحدة عندما كانت في التاسعة. عملت في مجال السياحة لفترة، ثم الصحافة الإنكليزية في مصر. الغضب من المجتمع الذي لم تستطع أن تتكيّف معه، دفعها إلى الكتابة... وكان محوراً لتلك الكتابة أيضاً. بدأت بنشر نصوصها على مدوّنتها، فشجّعها المتصفّحون على تحويلها إلى كتاب. تقول: «كنت أقرأ قصيدة الشاعر الإنكليزي وليام بليك «الشجرة المسمومة» وقد وجدتها تلخّص حياتي وتجربتي، وتمثّل خيطاً رئيسياً يجمع معظم ما كتبت من مقالات، فأعدت صياغتها لتشبه نصاً واحداً». الرواية تدور حول الحب، الزواج، الجنس، العذرية، الدين، المحرّمات والمخاوف التي تنمو يوماً بعد يوم، ليس لها حبكة معيّنة، بل تستخدم المؤلفة تكنيك التدوين والمقال الصحافي والكتابة التقليدية.
هل يقلقها تصنيف ما تكتب: هل هو رواية أم مقالات أم نصوص؟ أجابت: «ما أكتبه خواطر ومقالات، لكنّها مع ذلك نص واحد يتداخل فيه الواقع مع الخيال. رأى النقاد أنّ روايتي ليست رواية مكتملة، وليست أيضاً مقالات بمفهوم المقال الصحافي. أنا أطرح أسئلة فقط ولا أقدّم إجابات».
لكن لمن تكتب مروة ومَن هو جمهورها؟ تجيب: «أغلب المصريين يتحدثون الإنكليزية بدرجات متفاوتة. أنا نفسي لا أقرأ سوى بالإنكليزية، لكنني لم أكن أجد كتباً لمصريين يكتبون بالإنكليزية. هكذا قرأت لكتّاب إنكليز، واضطررت إلى شراء الكتب من الخارج. كنت أشعر بأنّ هناك فئة من الجمهور مظلومة، هي تلك التي تقرأ بالإنكليزية، فهؤلاء لا يقرأون شيئاً لكتّاب مصريين يفكّرون مثلهم، ولهم همومهم نفسها، كما كان يعنيني أن أترك بصمتي على المجتمع وأقوم بتغيير بعض العادات والتقاليد البالية فيه». لكن التغيير الذي تقصده لن يطاول سوى فئة قليلة تقرأ الإنكليزية! توضح: «عندما تتغير أفكار الشريحة التي تقرأ الإنكليزية في مصر، سيتبعها تغيير في أفكار بقية الشرائح».
أما عمرو خالد (1982)، فلا يكتب لتغيير العالم بل لإلمامه التام بالإنكليزية. لقد درس العربية والإنكليزية لكنه عانى صعوبات كثيرة في الكتابة العربيّة بسبب قواعدها الصعبة، وهو لا يستطيع الإحساس بلغة الضاد مثل إحساسه بالإنكليزية. يوضح: «لم أختر اللغة، بل هي التي اختارتني. لو كان الأمر بيدي لاخترتُ الكتابة بالعربية لأنّ جمهوري في هذه الحالة سيكون مضموناً».
روايته الأولى Velo (2007) صدرت عن «دار ملامح» وهي الدار نفسها التي أصدرت رواية مروة رخا. يدرس خالد الإعلام، لكنّ عشقه الأكبر هو الموسيقى، إذ يعمل عازفاً للغيتار في إحدى فرق الروك المصرية التي تغنّي بالإنكليزية. كما يكتب أيضاً في العديد من المجلات التي تصدر بالإنكليزية. يقدّم خالد في روايته «تجربة شاب مشتت نفسياً يتخبط بين المخدرات المختلفة والأساطير المصرية في محاولة للوصول إلى ذاته».
الرواية التي سبقتها مقدمة كتبتها الناقدة غادة شهبندر، ركّزت فيها على انتماء الكاتب إلى الأدب المصري لأنّه حتى لو كان العمل مكتوباً بالإنكليزية، فهذا لا يعني أنّه ليس مصرياً. يتفق عمرو مع ما جاء فى المقدمة ويختلف أيضاً: «أكتب لبشر لا تعنيني جنسيتهم، سواء أكانوا مصريين أم غير ذلك». هل كان يتوقع نجاح الكتاب؟ يجيب: «على الإطلاق، الشعب المصري غير مهتمّ بقراءة الكتب المكتوبة بالعربية أساساً، فما بالنا بالإنكليزية؟ من هنا كان تخوّفي من النشر».
لكنّ كل نسخ الرواية نفدت، واعتقد بعض القراء أنّ كاتب الرواية هو الداعية الإسلامي الشهير عمرو خالد! هؤلاء سرعان ما اكتشفوا أنها لشخص آخر يحبّ الموسيقى ويكتب الرواية ولا علاقة له بـ«الشيخ». يضحك عمرو: «أتلقى كثيراً مكالمات تطلب مني أن أُفتي في أمور الدين. وفي كل مرة، أعتذر لأنني لست المقصود بالاتصال. وعندما زادت الطلبات بدأت بالفتوى».
هل ستتحوّل الكتابة بالإنكليزية إلى ظاهرة لدى الجيل المصري الجديد؟ الروائي والناقد بهاء عبد المجيد أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة عين شمس، يقول: «سترتفع، بسبب ازدياد التعليم الأجنبي في مصر. لذا، يقوم العديد من طلابي بكتابة أشعار بالإنكليزية. وعندما أسألهم عن السبب، يجيبون بأنّ العربية تمثّل قيداً نفسياً بالنسبة إليهم؟». ويضيف: «للأسف الشديد، هناك بعض الشباب يرون أنّ ما تقوله بالعربية بخجل، لا تخجل منه عندما تقوله بالإنكليزية. ومن هنا يشعرون بسهولة التعبير والحرية بهذه اللغة».
لا يستطيع بهاء أن يحدّد حكماً على الظاهرة: «لست ضدها، لكنها تطرح أسئلة كثيرة للنقاش، أسئلة عن مفهوم الهوية، ومفهوم القارئ الذي يتوجه إليه الكاتب، وغيرها. السياق مختلف، فنحن لسنا مجتمعاً يعاني انفصالاً ثقافياً أو تعدداً عرقياً، لذا تدهشني هذه الظاهرة. نحن لسنا أنكلوفون ولا فرانكوفون مثل المغرب العربي، بل نقف موقفاً قوياً كي لا تصبح الإنكليزية لغة أولى، مثلما حدث في الجزائر أو المغرب. حتى نموذج الأديبة أهداف سويف مختلف لأنها تقيم في لندن، ودرست أدباً إنكليزياً وتزوجت هناك». ويضيف عبد المجيد: «للأسف الشديد كلّ الكتابات التي قرأتها لمصريين يكتبون بالإنكليزية تلعب على الإيقاع فقط، ولا تعتني بجماليات اللغة الإنكليزية نفسها».


تجارب مغايرة تبحث عن فضائها
«على اسفلت الشارع، تُصنع الثقافة المغايرة» تحت هذا الشعار، أسّست مجموعة من الشباب «دار ملامح» للنشر وكان السؤال الأهم الذي يشغلهم ماذا سيميّز الدار الجديدة عن بقية الدور الكثيرة في مصر. الإجابة هي «الاهتمام بأدب المدوّنات». هكذا، نُشرت رواية «روجرز» لأحمد ناجي، وهي أول رواية تفاعلية تخرج من الإنترنت إلى النشر الورقي، كما نشرت الدار رواية «مترو» وهي أول رواية عربية مصوّرة. وفى إطار البحث عن التميّز، جاءت فكرة النشر لكتّاب مصريين يكتبون بالإنكليزية.
وكانت البداية مع رواية Velo لعمرو خالد الذي كان يبحث عن ناشر للرواية، ولم يجد قبولاً من معظم دور النشر. «كان الأمر مغامرة غير مضمونة» يؤكد الناشر محمد الشرقاوي مدير الدار، ويضيف: «لكنّ النجاح الذي حققته الرواية دفعني إلى نشر نصوص مروة رخا». ويتابع: «أدهشني نفاد الطبعة الأولى للعملين رغم سعرهما المرتفع نسبياً». المفارقة أنّه من بين 20 عنواناً صدرت عن الدار، نفد كتابان وتعيد الدار طباعتهما، هما الروايتان اللتان صدرتا بالإنكليزية في ظاهرة جديدة تماماً. ما يكشف عن تغير الذائقة الأدبية في مصر أو عن وجود جيل من القرّاء، مختلف تماماً عمّا كان معتاداً. جيل يقرأ الأدب العربي مترجماً، لا كما كتب بلغته الأصلية. جمهور الأعمال هو جيل الشباب الذي تربى في مدارس أجنبية، ويعشق الموسيقى الأجنبية بأنواعها المختلفة. وتؤدّي الدار دوراً آخر في الدعاية للأعمال. يوضح الشرقاوي: «نحترم الكاتب والكتابة ولهذا، ينصبّ اهتمامنا على تقديم مفهوم جديد لصناعة النشر يبدأ من اهتمامنا بالدعاية والتوزيع لإصداراتنا حتى نوعية الورق والطباعة والتنفيذ والإخراج النهائي للكتاب». كما تهتم الدار بتأسيس مجموعات على أكثر المواقع الإلكترونية شهرة أي «فايس بوك» للتسويق للدار وكتبها. المدهش أنّه رغم نجاح العملين بالإنكليزية، إلا أنّ صاحب الدار والمؤلفين يبحثون عن مترجمين لترجمة العملين إلى العربية!