فاطمة داوودفي أسبوع الموضة الباريسي الأخير، برز عرضان على طرفي نقيض: كارل لاغرفيلد قدّم مجموعة متمرّدة بالأبيض والأسود، أما جورج شقرا فدعا الطبيعة إلى خشبة المسرح...
«أبيض وأسود» هو العنوان الملائم لمجموعة «دار شانيل» التي أطلقها المصمم العالمي كارل لاغرفيلد لموسمي ربيع وصيف 2008. ولم يكن هذا العرض غريباً عن المصمم الألماني الأصل، لكنه مثّل تأكيداً لعشقه هذين اللونين المتناقضين.
ضمّت المجموعة «تايورات» على شكل X، مؤلفة من «جاكيت» بيضاء وتنورة سوداء من أقمشة الـ«تويد». وجاءت التنوّرة بصفات محددّة: قصيرة أعلى من الركبة، بعضها على شكل صدفيات بحرية، وأخرى أشبه بورود الخُزامى التي التفت حول جسد العارضة لتبرز دائريته. كما أدرجت في المجموعة بعض تنانير «الدرابيه».
كوّنت الصَّدفة بأشكالها وألوانها، إيحاءات التشكيلة بكاملها. وأثبتت أن لاغرفيلد تملّص من التنانير المستقيمة التي طبعت «دار شانيل» ومفهومها للأزياء لعقود طويلة، فبدا متمرّداً بعض الشيء على معلّمته، الآنسة كوكو.
لاغرفيلد بالغ في تقديم نفسه على حساب تصاميمه، حتى ظهرت العارضات بتايورات ذات ياقات مشابهة لملابسه الخاصة. وإذا بربطات العنق تتنوّع بين الصغير والملتف حول الرقبة على شكل X، وأخرى تحوّلت إلى كشاكش كثيفة عند الصدر.
لكن طغيان «التايور» بالألوان الأحادية كالأبيض والأسود لم يقف حائلاً أمام ظهور «البيج» والفضي والرمادي والزيتي الغامق. إنما بلا شك قضى بالكامل على ألوان الربيع والصيف المنعشة والفرحة. والفساتين الطويلة اتّخذت من الأصداف البحرية أيضاً أشكالاً لها، فانسدلت مع أقمشة «الشيفون» و«الموسلين» و«الأورغنزا» لتلامس الأرض بعدما اشتدّت عند الخصر أو أعلى منه بقليل. بينما اتخذ بعضها شكل الأجران لإخفاء معالم جسد العارضة.
إذاً، حرص لاغيرفيلد على إظهار أسلوبه المتميّز رغم بروزه تحت مظلّة دار «شانيل»، ليؤكد أنه لولاه لما حافظت هذه المؤسسة على بريقها طوال العقود الماضية، وخصوصاً أنَّ هناك من استهزأ بخطوته في إعادة إحياء مجد الماركة الأشهر في العالم. وحسب قوله: «الكلّ يعكف اليوم على إعادة إحياء الماركات العالمية»، في إشارة إلى تقليد الآخرين لخطوته تلك. وبينما يتهمه بعضهم بالغرور، يؤكد لاغرفيلد أن عمله في مجال الـ«هوت كوتور» ليس سوى «مجرّد عمل، وأنا لست فناناً». مع ذلك، يجد المتابعون لمسيرته أنه هزلي، وخصوصاً أن ظهوره الدائم بالنظارة السوداء وقفازات اليد وضفير الشعر الأبيض وياقته البيضاء ذات العشر سنتيمترات، تجعله أقرب لشخصية شارلي شابلن.
هذا المصمم الذي وُلد في هامبورغ الألمانية عام 1938، قدم إلى باريس عام 1952 حيث عمل لدى دار «بالمان»، انتقل بعدها إلى دار «جان باتو» ثم «كلويه» و«فاندي»، قبل أن يؤسس شركته الخاصّة ويطلق عام 1975 عطراً يحمل اسمه. لكن الحظّ ابتسم له عام 1983، حين اتّخذ قراره بإحياء دار «شانيل» للملابس الجاهزة بمساعدة رجل الأعمال المخضرم جيل دو فو. منذ ذلك الوقت، وهو يحقق النجاح تلو الآخر حتى وصلت مشاريعه إلى العالم كلّه.
اليوم، يصمم لاغرفيلد مجموعات «شانيل» و«فاندي»، إضافة إلى مجموعته الخاصة، ومجموعة H&M الزهيدة الأسعار.
وهو يمارس هواياته المثيرة كالتصوير الفوتوغرافي لأهم المجلات العالمية المتخصصة بالأزياء مثل «لوفيسيال» و«فوغ»، كما يكتب قصائد النثر. أما أغرب صيحاته فهو كتاب عن الحمية الغذائية التي اتّبعها لخفض وزنه، بعنوان The Karl Lagerfeld Diet. وقد حقق نسبة مبيعات عالية جداً حول العالم. هذا ليس كل شيء، فهو يملك مكتبةً تضمّ أكثر من 150 ألف كتاب، ويعشق أشعار إيميلي ديكنسون. ويجاهر بحبّه لأغنيات أم كلثوم وفيروز التي يسمعها لساعات طويلة.
في السبعين من عمره، يعيش كارل لاغرفيلد اليوم أوج نجاحه في عالم صناعة الأزياء، حتى بات مُلهماً لجيل شاب بكامله، ولا يزال حتى هذه اللحظة قادراً على اجتذاب عدسات الكاميرات أينما ذهب، وسواء أوقفت إلى جانبه ليندسي لوهان أم لم تقف...