بيار أبي صعبمن مكان ما في الذاكرة يتصاعد صوت ليلي بونيش يغنّي بالفرنكو ـ عربيّة: «j’aime toutes les villes et un peu plus Paris لكن ماشي بحال L’Algerie». أحب كلّ المدن، وربّما باريس أكثر من سواها، لكن ليس كما أحبّ الجزائر... «المدينة البيضاء»، لم تغادر وجدان هذا المغني، صاحب الصوت الذي يجمع بين عذوبة رومنسيّة «سكّر زيادة»، وخشونة محبّبة تحمل مذاقاً خاصاً. Lili Boniche الذي انطفأ بصمت في الجنوب الفرنسي عن 87 عاماً، اكتشفناه في باريس أواخر الثمانينيات، يوم قرر أن يعود إلى الأضواء بعد عقود من الصمت والعزلة. اكتشفنا معه يومذاك جزءاً مضيئاً من التراث المغاربي، كما تشكّل على يدّ مجموعة من الفنانين اليهود: من التونسي راوول جورنو والمغربيّة لين مونتي... إلى الجزائريّة رينات الوهرانيّة. لكنّ خانة الغناء «اليهودي ـــ العربي» لم تكن تناسبه تماماً. كان «ليلي» يرفض هذا التصنيف: «هل تقولون عن فنان آخر إنّه يعزف موسيقى مسلمة ـــ عربيّة؟ أنا أعزف موسيقى عربيّة وكفى!».
إيلي (ليلي) بونيش هو ابن حي القصبة في العاصمة الجزائريّة. في كاباريهاتها تربّت أذنه على النغمات الشرقيّة، وفيها عزف المندولين مراهقاً... بعدما أرسله والده هاوي الموسيقى الآتي من بلاد القبائل إلى معلّم التراث الأندلسي سعود الوهراني ليلقّنه الأصول الكلاسيكيّة، وفنون «الشعبي» و“الحوزة”. وفي الخامسة عشرة كان يقدّم في إذاعة الجزائر برنامجاً أسبوعياً عن تلك الموسيقى التي بات يتقنها بمهارة. هذا التراث سيطوّره لاحقاً في الملاهي الباريسيّة، ويطعّمه بمصادر موسيقيّة عدّة كالتانغو والرومبا والباسو دوبلي... ويخترع أسلوبه الخاص مازجاً الألوان الميلوديّة، ومتنقلاً بعفويّة بين الفرنسيّة والعاميّة الجزائريّة. في التسعينيات، عاد «الشرقي» ـــ كما لُقّب تيمناً بعنوان أغنية شهيرة له ــــ إلى المهرجانات ومحافل الغناء، وصولاً إلى صالة الـ«أولمبيا» الباريسيّة الشهيرة. واحتلت تسجيلاته الجديدة مكانة مرموقة في المبيعات. انطلاقاً من باريس طبعاً. الجزائر لم يغنّ فيها منذ الاستقلال. لكنّه غنّاها في معظم أعماله القديمة والجديدة. بقيت مدينته الفاضلة القائمة على التسامح والتعدديّة والاختلاط. جزائره التي تغيّرت أكثر من مرّة منذ الخمسينيات... لكنّها بقيت كما هي في أغاني الحنين إلى الزمن السعيد.