بيار أبي صعب لقد قررت الرقابة اللبنانيّة أن «تتريّث» في الترخيص لشريط سينمائي ـ فرنسيّ الإنتاج والتنفيذ، إيرانيّ الهويّة الفنيّة والهوى ـ خوفاً من أن «يزعج مشاعر بعض اللبنانيين». والتريّث شكل مشبوه من أشكال المنع، متروك الآن برسم المناورات السياسيّة (المشبوهة هي الأخرى)، في بلد المؤسسات المعلّقة، وسوبرماركت الإقطاعيّات والجماعات والطوائف التي لا تعرف كيف تنتظم في شعب يتألف من مواطنين أفراد، متساوين في الحقوق والواجبات!
الفيلم هو «برسيبوليس» رائعة مرجان ساترابي (مع فينسان برونو) الذي عرض في العالم قاطبة، ونال «جائزة لجنة التحكيم الكبرى» في «مهرجان كان» الماضي، وهو مرشّح هذا العام لـ«الأوسكار». فيلم تحريك بالأبيض والأسود مأخوذ عن ألبوم شرائط مصوّرة للفنانة نفسها (2000 ـ 2003)، صدر جزءاه الأولان بالعربيّة عن ناشر بيروتي طليعي هو La CD-thèque.
في Persepolis وهو اسم مدينة الفرس القديمة وعاصمة ملوكها، تروي ساترابي ـ بكثير من الطرافة والشاعريّة ـ سيرتها الخاصة، من المراهقة في كنف بيت معاد لنظام الشاه... إلى الثورة الإسلاميّة التي تلسّط عليها نظرة نقديّة رقيقة وقاسية في آن. هذه الفنانة التي لن ننسى موقفها الشجاع في فرنسا خلال العدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان صيف 2006، من يحدّد حقّها في التعبير عن تجربتها ومواقفها السياسيّة؟ ومن يحق له أن ينصّب نفسه وصيّاً على المواطن اللبناني، فيقرر أن يحرمه حقّه في مشاهدة هذا الفيلم، ومناقشته، بكل الوسائل الحضاريّة، إذا لزم الأمر؟
حريّة التعبير غاية بحدّ ذاتها، لا تقبل أي احتواء أو توظيف مبتذل في زواريب الانقسام الأهلي. إنّها معركة قانونيّة وديموقراطيّة، تتجاوز الجهاز الرقابي الخاضع لشبكة معقّدة من الحسابات والقوانين والتوازنات. المطلوب قرار سياسي بإلغاء الرقابة على الفكر والإبداع. أما تأشيرة عرض الأفلام، فمن المفروض أن تمنحها مؤسسة مدنيّة تبعاً لمعايير عقلانيّة واضحة، كتلك المعمول بها في العالم المتحضّر. (راجع ص 7)