إنه يقدم شهادة حية ومعاصرة على وحشية المحتل الذي لا يميز الفلسطيني عن غيره إلا بالاستسلام والخنوع، ويؤمن بالقتل حلاً ضمن مفهومه ـ الاحتلال ـ في وجه من يحاول إدانته والتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني. يطرح الفنان رؤية تمزج وجودها مع التاريخ، وتعكس رمزية المرأة وحضورها في المشهد السياسي والإنساني، ودورها الحضاري البارز في ترويض الوحشية والبربرية. هكذا يقدم رؤية فلسفية يجمع فيها الحضارات وإرثها الأدبي، فتحضر أسطورة «كلكامش» من العراق القديم، والدور الإنساني الذي لعبته إحدى بطلات الأسطورة «شامات» التي هزمت بعاطفتها الأنثوية وحشية وبربرية البطل «أنكيدو» (إنسان الغابة)، ونجحت في نقله من حضارة البداوة إلى المدينية. كذلك، تحضر شخصية «شهرزاد» بذكاء بصري مدروس في المعرض، يذكرنا بنضالها المكلل بالنجاح في ترويض الملك «شهريار» وتخليصه من ساديته ورغبته في القتل.
تتداخل هذه الأشكال الأسطورية والحضارية القديمة، مع وجه راشيل كوري، المرأة الأميركية المعاصرة التي يزخرف وجهها معظم الأعمال الفنية المنتجة. يعرضها في سياق مقارن مستخدماً بعضاً من أعمال الفنانة الأميركية المعاصرة باربرا كروغر (1945). تقدم كروغر أعمالها بطريقة «الملصق» ضمن الفن المفاهيمي، وتعالج في مواضيعها الجندر وتهاجم الذكورية، مستخدمة ألوان الأسود والأبيض والأحمر، والعبارات والضمائر كـ «أنا، أنت، نحن، هم».
يعمل جوابرة على رسم نسيج واضح يربط بين راشيل والشخصيات الأسطورية في «شامات وشهرزاد». كل ذلك ليؤكد هذا الحضور وما يمكن للمرأة أن تصنعه، «كرمز» في تغيير المفاهيم والسلوك الإنساني لنظرة تتخلص من الدونية وتدعو للبناء والتغيير. هذا ما يُلاحظ في شخصية راشيل التي تحاول تغيير واقع المحتل وفكره الوحشي إلى وعي يشبه حالة «أنكيدو وشهريار».
لكن المفاجأة هنا أن هذا الاحتلال قتل راشيل وحلمها ومحاولاتها في تغيير منهج المحتل لآخر يوحي بالسلام والحب والخلود.
يلجأ إلى أعمال الفنانة الأميركية المعاصرة باربرا كروغر
حضور الشخصيات الثلاث في نصوص المعرض وتوظيفها بوعي وبمعالجة بصرية معاصرة تستند الى تقنية الديجتال آرت. تقنية تمنح الفنان حرية في التلاعب بالصورة وبناء المعنى من خلال التهكم والشاعرية في آن واحد. معنى يُقحم المتلقي في إعادة قراءة ثنائيات المرأة/ الرجل، الأنثوية/ الذكورية، الخير/ الشر، البربرية/ التحضر، الاحتلال/المحتل... ليؤسس لمقاربة جديدة حول معنى الاحتلال والنزعة الكولينيالية بوصفها معادلاً موضوعياً للذكورية، وصورة من صور البربرية المعاصرة. موت راشيل وإخفاقها في ترويض المحتل مقابل نجاح المرأة التاريخي، ولو كان في الوعي الأسطوري، يعيد قراءة تلك الثنائيات ويقود الى بناء دلالي متوالد من ذلك الحدث. بناء تتعدد فيه المعاني والرسائل الفكرية والحضارية وتترسخ من بين تلك الرسائل أن الاحتلال الصهيوني هو أبشع شكل من أشكال الذكورية.
* «حلم راشيل» لنصر جوابرة: حتى 23 آذار (مارس) ــ «غاليري آرت لاب» (القدس ــ فلسطين).