تونيا عكرحين كتب طارق علي مسرحيته «الجثة الموقرة»، كان يتّهم طوني بلير بخيانة مبادئ الحزب العمالي بعد مشاركته في حرب العراق. أما شريف عبد النور، فيوجّه إصبع الاتهام في عرضه الجديد إلى كل قائد خان شعبه، «وإذا لم يقتله ذووه، على الشعب أن يفعل». هكذا يلخّص عبدالنور «الجثة الموقرة» التي اقتبسها عن نص الكاتب والمخرج البريطاني من أصل باكستاني، ويستمر عرضها حتى نهاية الشهر الحالي في قاعة «عصام فارس» في الجامعة الأميركية ـ بيروت. المسرحية كوميديا ساخرة تتناول قصّة زعيم يساري سابق (حسام كوثراني) خان مبادئه وشعبه... وزوجته (سارة الرشيد) رفيقة شبابه التي عاصرت أول أحلامه ونشاطه الحزبي. وقد خضع الممثّلون المشاركون في العمل ـ وهم طلاب مبتدئون ـ لسلسة تمارين جسدية بالغة الحدة والصعوبة، ما انعكس على أدائهم الذي تطوّر تدريجاً، لكنّه ظل بعيداً عن التقنية المطلوبة لجذب الجمهور إلى قضية بهذه الأهمية، وإلى نص مسرحي لافت. ولعلّ الاستثناء الوحيد كان رؤوف خليفة الذي أدّى شخصية محقّق بارع إلى درجة تقمّص الدور.
أما قاعة العرض فتبعث الشعور بالضيق والاختناق... حتى تخال نفسك في محكمة «نورمبيرغ». هكذا، راحت الشاشة العملاقة تعرض صور مقابر صمّمها الطلاب المشاركون في المسرحية، محيلةً إلى المجازر الممتدة من العراق حتى فلسطين. كلّ هذا على خلفيّة صمت مطبق لحكّام ماتت ضمائرهم، فراحوا يستغلّون شعوبهم للوصول إلى أهدافهم الانتخابية. وإدانة هذا الصمت تصبح أكثر مباشرةً خلال العرض، عندما تُفاجأ بصوت مظفّر النوّاب قائلاً: «القدس عروس عروبتكم...». يقدّم عبد النور مسرحيّة سياسيّة قائمة على «التحريض». ويستخدم المخرج كل الوسائل لحثّ المشاهد على التفكير بعد انتهاء العرض، مؤكداً رسالته المسرحية التي هي جمع الناس من مختلف المعتقدات وإرغامهم على التواصل والتفاهم.