غزّة | أمام كلّ سلوكيّات السلطة الفلسطينية الفجّة في التعامل مع الصحافيين المختلفين معها، تبدو كرنفالات «يوم الوفاء للصحافي الفلسطيني» مجرّد قناع تضعه السلطة لتخبّئ خلفه نظرتها الحقيقية إلى الجسم الإعلامي. هذه النظرة التي تترجمها بالإقصاء أو الاعتقال التعسفيّ تبدّت أخيراً باعتقالها مصوّر فضائية «الأقصى» أسيد عمارنة (30 سنة) الذي فتح عينيه على زنزانة انفرادية عبارة عن مرحاض.
ورغم هذا الاستسهال في التطاول على كرامة الصحافيين، لم يستكن عمارنة الموقوف منذ 13 يوماً لجلّاده، إذ يخوض حاليّاً معركة الأمعاء الخاوية التي كانت باكورتها في سجون الاحتلال الإسرائيلي. منذ حوالى 11 يوماً، يمتنع عمارنة عن تناول الطعام في أحد سجون الأمن الوقائي في بيت لحم (جنوب الضفة).
أمام هذه التجاوزات، لم تستفق نقابة الصحافيين الفلسطينيين من سكرتها المعهودة، إذ أقصى ما فعلته المطالبة شفهيّاً بالإفراج عن عمارنة، من دون أن يكون لكلامها وزن عند الأجهزة الأمنية.
صحيح أنّ خلفية الاعتقال ليست خافية على أحد، غير أنّ النيابة العامة تحاول أن تلصق بعمارنة تهماً كاريكاتورية وسريالية مقارنةً بالواقع الفلسطيني، فقد اتهمته بـ«إثارة النعرات الطائفية» بعدما مدّدت توقيفه لمدة 48 ساعة من تاريخ اعتقاله (23 شباط (فبراير) الماضي)، قبل أن تمدّد محكمة «صلح بيت لحم» اعتقاله مجدّداً لمدة 15 يوماً. واستندت النيابة العامة في توجيه التهمة إلى المصوّر الفسلطيني إلى قانون العقوبات الأردني لعام 1960 من دون وجود بيّنة واحدة تدعم اتهامها. علماً بأنّ السلطة تعتبر هذا القانون مدخلاً لإجازة الانتهاكات بحق الصحافيين والمعتقلين السياسيين.
من جهتها، تؤكد محامية عمارنة تهاني عمارنة لـ«الأخبار» أنّ اتهام موكّلها دار حول نقاط تقع في صلب عمله الصحافي، إذ سُئل عن كيفية تقاضي أتعابه من عمله، وعن تغطيته لأنشطة وفعاليات مختلقة. كما طلب جهاز الأمن الوقائي منه الكشف عن كلمة السرّ الخاصة بحسابه على فايسبوك. إلا أنّ الصحافي الذي تعرّض عشرات المرّات للاستدعاء والاعتقال لدى مختلف الأجهزة الأمنية، رفض ذلك وفتح حسابه بحضور المحامية فقط. وتقول المحامية إنّ «القاضي لم يستمع لأقوال أسيد مطلقاً، كما منعني من لقائه من دون رقابة أمنية»، محذّرة من إعادة تمديد اعتقاله مجدّداً بحجّة «عدم استنفاد التحقيق». لم تتوقّف رعونة الأجهزة الأمنية عند هذا الحد، بل استعادت الأسلوب نفسه الذي يتعامل فيه الاحتلال الإسرائيلي مع ذوي الأسرى، ومنعت والدة عمارنة من زيارة ابنها، كما منعت عائلته من الاعتصام أمام مقر الأمن الوقائي، مطالبةً إيّاها بالوقوف على الرصيف المقابل، فيما أجبرت الصحافيين على حذف المادّة التي صوّروها خلال الاعتصام. وتشير تهاني عمارنة إلى أنّ أسيد «التقى بابنه، ثم بزوجته التي لاحظت اصفرار وجهه وصعوبة حالته الصحية».أما في غزّة، فيبدو أنّ دماء 17 صحافياً فلسطينياً سقطوا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع المُحاصر باتت طيّ النسيان عند الأجهزة الأمنية التي اعتدت أخيراً على الصحافي في إذاعة «القدس» المحليّة خالد أبو مغيصب. وتعرّض الأخير للاعتقال التعسفيّ والضرب بأنحاء متفرقة من جسده، بذريعة تصويره بواسطة هاتف الخاص مقاطع من فعالية احتجاجية لعشرات الأهالي في حي الزيتون الغزّي، رفضاً للأوضاع المعيشية المزرية التي يمرّون بها.
وقبل الإفراج عنه، تهكّمت العناصر الأمنية على مهنة الصحافة حين أخبرهم أبو مغيصب عن طبيعة عمله، إذ قالوا له «بلّها واشرب ميّتها». رغم فجاجتها، تكشف هذه العبارة الوجه الحقيقي للسلطتين القائمتين في الضفة وغزّة في التعامل بفوقية مع الجسم الصحافي واستمراء إهانته.