بيار أبي صعب يرى هواة السينما ومعظم النقاد أن يوسف شاهين حالة خاصة في تاريخ السينما المصريّة والعربيّة. كان ذلك صحيحاً حتى تسعينيات القرن الماضي. صاحب «الأرض» و«اسكندريّة ليه؟» سيبقى في ذاكرتنا معلّماً خارج التصنيف طبعاً، لكنّ الحالة الخاصة في السينما اليوم تحمل اسماً آخر: يسري نصر الله. هذا المخرج لا تشبه أفلامه الصورة السائدة عن السينما المصريّة... مع أنّها تنتمي إلى واقعها بعمق! هذا الواقع نعيد اكتشافه من وجهة نظر جديدة، عصريّة وحميمة، بعيداً عن الايديولوجيا والكليشيهات المتداولة، من خلال أفلام صوِّرَت بتقنيات مغايرة للسائد، بلغة تستعير من العصر الذهبي للسينما الإيطالية تارة، ومن أعمال طليعية كثيرة في تاريخ الفنّ السابع.
أفلام يسري يمكن اختصارها برحلة البحث عن «الفرد» المفقود في السينما العربية. ولد السينمائي المصري بعد قيام ثورة يوليو بثلاثة أيام، في أسرة «أرستقراطية»... هذا العبء العائلي، سيتخلص منه منذ فيلمه الأول «سرقات صيفية» (١٩٨٨) حيث يتناول ظروف قيام طبقته وحكاية انهيارها، بعد قيام الثورة الناصريّة. في فيلمه الثاني «مرسيدس» (١٩٩٣) اختار أن يتناول العنف في مجتمع يعيش في دوامة التحولات: من التطرف الديني إلى الفساد السياسي. أما بطل «المدينة» (٢٠٠٠)، فيحقق حلمه بالسفر إلى فرنسا ليعود منها مهزوماًً، ويقرر المواجهة. يواصل يسري في هذا الفيلم، طرح مأساة الفرد العربي في مواجهة الميكانيزمات الجامدة التي يشهرها المجتمع في وجه أبنائه: سطوة الأب، الكبت الجنسي، الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وفي فيلمه الملحمي «باب الشمس» عن رواية إلياس خوري، أعطى يسري نصر الله السينما العربية فيلمها عن ملحمة الشعب الفلسطيني... في الجزء الأوّل («الرحيل»)، يستعيد نكبة ١٩٤٨بأسلوب أقرب الى الملحميّة مقدّماً، للمرّة الأولى في السينما الروائيّة العربيّة ربّما، الرواية العربيّة للنكبة، في مواجهة أفلام عالميّة كرّست الرواية الصهيونيّة في ذهن المتفرّج الغربي. لكنّه، في الجزء الثاني («العودة»)، سرعان ما يستأنف الصلة بالبعد الحميمي والذاتي والشخصي الذي طالما ميّز تجربته. شخصيات يسري نصر الله تبدو غالباً قادرة على الوقوف مجدداً بعد انكسار. كأننا بهذا السينمائي يرى أن الحجر الأساس، هو معركة الفرد العربي، في مواجهة آليات سحقه.