strong>لم تعد في المسلسلات التلفزيونية، تلك الزوجة المغلوبة على أمرها التي لا تملك سوى الطاعة للرجل. ورمضان 2008 سيشهد محاولة جديّة لكسر الصورة النمطية عن المرأة، وإقحام الأم والأخت والحبيبة في قلب الدوامة الاجتماعية والسياسية... يُسرا وصابرين وهند صبري قررن التمرّد على «الحاج متولي»
محمد عبد الرحمن
عندما عُرض الجزء الثاني من «باب الحارة» في رمضان المنصرم، تعرّض ـ بين الانتقادات الكثيرة التي طالته ـ لاتّهامات بأنه يصدّر صورة عن المرأة، يكتنفها الكثير من النمطية والخطورة. ذلك أنّ المسلسل السوري، وإن بدا أميناً للمناخات التي كانت تعيشها المرأة الدمشقية الشعبية في عشرينيات القرن المنصرم (مستكينة لقدرها، ليس أمامها إلا الطاعة للرجل)... أخفى صورة أخرى عن امرأة كثيراً ما شاركت في التظاهرات السياسية والتحركات النسائية. والأهم من ذلك أن صورة الزوجة الخاضعة لاقت هوى لدى مشاهد اليوم، إذ أتاحت أمامه استعادة عصر الحريم و«تقبرني ابن عمي» التي افتقدها الرجل في ظلّ المكاسب النسائية الجديدة وإنجازات الحركات النسوية المتصاعدة.
وفي الخليج، انتقدت جهات عدة الأعمال الخليجية التي تتعامل بشكل سلبي مع المرأة، من ناحية التركيز على الإساءة النفسية والجسدية، عبر مشاهد الضرب والصفع والركل والشتم الموجهة إليها، في محاولة لتقديم جرعات درامية ساخنة ومثيرة.
أما في القاهرة، ومنذ عرض مسلسل «عائلة الحاج متولي»، واتساع دائرة النقاش حوله، طلب النقاد من كتّاب السيناريو المزيد من الحذر عند تناول صورة المرأة في المجتمع، وعدم الاعتماد على تصوّرات وراثيّة، كانوا يتبنّونها لا شعورياً في أعمالهم
السابقةهل تحمل كل هذه الشكاوى الكثير من المبالغات أم أن المسلسلات تحمل فعلاً تأثيراً كبيراً في تكوين الوعي المعرفي وصوغ أعراف المجتمع وعاداته وقيمه السلوكية؟
أظهرت دراسات ميدانية، قُدمت خلال المؤتمر الإقليمي الأول للسينما العربية عام 2003، أن التأثير السلبي لما تقدمه الدراما العربية من نماذج للعنف ضد المرأة، يُسهم في تدعيم ذلك العنف. وأظهرت الدراسات أن الغالب على شكل العنف ضد النساء في الأعمال الدرامية هو العنف النفسي والمعنوي (92 في المئة) والجسدي (حوالى 7 في المئة).
كلّ ذلك دفع بالدراما العربية، في السنوات الأخيرة، إلى العمل على تقديم صورة المرأة بشكل مغاير لما ظهرت عليها في السابق. وبينما ركزت المسلسلات سابقاً على دور المرأة التقليدي الذي يقتصر على أمور المطبخ والعائلة والموضة، راحت بعض الفنانات، وخصوصاً في مصر، يسلّطن الضوء على المرأة كائناً منتجاً وعضواً فاعلاً. هكذا استطاعت يسرا، مستغلّة بطلولتها المطلقة في أعمالها، أن تطلّ بصورة المرأة القيادية، وإن حملت بعض المبالغة، من «ملك روحي» إلى «قضية رأي عام». وهو ما فعلته ليلى علوي في «تعالَ نحلم ببكرا» ثم «نور الصباح»، وإلهام شاهين في «على نار هادية» و«قلب امرأة»، حتى نادية الجندي في «مشوار امرأة» أو عبلة كامل في «حق مشروع»...
هذا الموسم، تواصل الدراما التلفزيونية رهانها على إبراز دور المرأة، وانخراطها أكثر في قضايا الوطن والمنطقة. إضافةً إلى الإضاءة على هموم الزوجة، وتحديات الصبيّة العاملة، ومفهوم العنوسة... كما تبرز قضية المرأة المُعيلة لنفسها ولعائلتها.
هكذا، ترأس سميرة أحمد في مسلسل «جدار القلب» (تأليف أحمد عبد الرحمن، إخراج أحمد صقر، بطولة مصطفى فهمي) قسماً للمرضى مرتكبي الجرائم في أحد المستشفيات النفسية. هناك، تلتقي مصطفى فهمي (رجل الأعمال المتهم بقتل زوجته)، الذي يحاول رشوتها كي تزوّر ملفّه، وتنقذه من حبل المشنقة. وتذهب سميرة أحمد في العمل إلى دبي، بحثاً عن نجلها المخطوف من جماعات عراقية.
أما فيفي عبده، فتقدم في «نرجس» الذي كتبه عزت آدم، وتشترك محطتا «الراي» و«أبو ظبي» في إنتاجه، دوراً سجالياً. في العمل، تمتهن البطلة الرقص، وعندما تقرر اعتزال حياة الليل، تلجأ إلى مهنة أخرى وهي تجارة السلاح لتصبح بعدها سيدة أعمال ثرية.
في مسلسل «الفنار» الذي تدور أغلب أحداثه في مدينة بورسعيد في ستينيات القرن الماضي، تعبّر صابرين عن المرأة البورسعيدية والمعاناة التى تعيشها إثر النكسة والهجوم الإسرائيلي على المدينة. و“الفنار” الذي كتبه مجدي صابر ويخرجه خالد بهجت، يرصد واقع المصريين العاملين في إسرائيل، وزواج المصريين بإسرائيليات.
منّة شلبي تطل هذا العام في مسلسل «سامية فهمي»، (تأليف بشير الديك وإخراج نادر جلال)، وفيه تقدم دور عميلة المخابرات المصرية التي تضحي بحبها من أجل وطنها، عندما تكتشف أن خطيبها يعمل جاسوساً للموساد الإسرائيلي، وتتجند لمصلحة الحكومة المصرية للكشف عنه. وفي مسلسل «بعد الفراق» (تأليف محمد أشرف، إخراج شيرين عادل وبطولة خالد صالح)، تتغلب البطلة هند صبري على فراق حبيبها بسبب فقرها وتعمل خادمة لتحسّن من دخلها، وتتنقّل بين وظائف كثيرة حتى تصبح إحدى سيدات المجتمع. أما أميرة فتحي وندى بسيوني ومنة فضالي، فيطرحن في مسلسل «بنات فى الثلاثين» (تأليف منى نور الدين، وإخراج تيسير عبود) مشكلة تأخر سن الزواج لدى الفتيات، وعدم اهتمامهن بذلك، نظراً لنجاحهن المهني، ورفضن الارتباط بمن هم أقل منهن مستوىً علماً وتفكيراً، حتى لو أطلق عليهن المجتمع كلمة «عانس». وأخيراً، تطل داليا البحيري في دور فتاة، تعيش في إحدى عشوائيات القاهرة، تتحدى المجتمع والظروف القاهرة، والعمل الذي كتبه محمد الغيطي بعنوان «بنت من هذا الزمان».
يذكر أخيراً أنّ هذه المسلسلات تركّز فقط على المرأة المتوسطة العمر، وتهمل تلك التي تخطّت الخمسين. وما نجاح ماما نونا (كريمة مختار) في مسلسل «يتربى في عزّو» سوى استثناء. أضف إلى ذلك أن دراما المرأة تعتمد أولاً على اسم البطلة، والدليل عدم تحقيق «صرخة أنثى» لداليا البحيري النجاح المتوقع، على رغم تناوله قضية مثيرة كالتصحيح الجنسي.