تعقيباً على مقالة أسعد أبو خليل («ثقافة وناس» الأحد 30 آذار/ مارس)، وصلنا من حبيب يونس ردّ، هنا أبرز فقراته:«لن أمنح الدكتور أسعد أبو خليل شرف مساجلتي، وإن كان الرد وإبداء الرأي حقّاً من حقوقه كإنسان. لأن للسجال قواعد وأصولاً، أقلها أن يكون المتساجلان متساويين. فأين أنا «حبيب يونس هذا»، على ما كتب الدكتور أسعد في تعليقه على «رثائي» للسيدة مي مرّ... أين أنا منه، وهو مَن هو في مجالات الفكر والثقافة والمعرفة والاطلاع والكتابة والحضور الإعلامي والتعليم الجامعي...؟ وعليه، أكتفي ببعض الملاحظات العامة:
كنت أظن أن ثمة ديَّاناً واحداً هو الله، سبحانه وتعالى. وَيْحي من جاهل، وبئس حالي (...) إذ فاتني أن ميزان الدينونة في يد الدكتور أسعد (...). وكنت أظن أن لبنان، أرضاً وشعباً وتراثاً وحضارة، وطن لم يقترن اسمه إلا بثلاثة: الخلود والعظمة والجمال، على ما ورد عنه في الكتاب المقدس، قبل أن أعرف أن لبنان، في كتاب الدكتور أسعد، «خُلق ذليلاً وترعرع ذليلاً»، ووطن «متخصص في شرب الذل وأكل الهوان». ويحي من جاهل، وبئس حالي، مرة بعد.
وكنت أظن أن للميت حرمةً في ثقافات العالم جميعاً، فإذا بي أسأل كيف يمكنني أن أساعد الدكتور أسعد، في «سركلة» السيدة مي مرّ وسوقها مخفورة من قبرها للمثول أمام محكمته وأحكامه الجاهزة؟ أيضاً وأيضاً، ويحي من جاهل، وبئس حالي.
«حبيب يونس هذا»، كما سماني الدكتور أسعد، لا ينضوي لحماية نفسه، إلا في إطار واحد، وفي أي زمان ومكان، هو الجهر بما يؤمن، أيّاً تكن العواقب... و«حبيب يونس هذا» يؤاخذ نفسه لأنه أزعج الدكتور أسعد في عليائه الأميركية، وينحو على نفسه هذه باللائمة لأنه حرك ميزان الدينونة في يده... وعليه، أيمكن هذا الميزان ألاَّ يعدل بعد
اليوم؟ (...)
وشكراً ـ حبيب يونس».
كان يهمّنا في «ثقافة وناس» أن نوجّه تحيّة لمي مرّ بعد رحيلها، رغم وعينا بالهوّة الفكريّة السحيقة التي تفصلنا عن تاريخها السياسي والإيديولوجي، وذلك حرصاً منا على الانفتاح على مختلف أطراف المشهد الثقافي اللبناني. صديقنا حبيب يونس الذي عرف الراحلة عن كثب، قبل مشكوراً هذه المهمّة. وكانت مقالته التي أثارت ردود فعل عنيفة في أوساط قرّاء «الأخبار»، وهذا أيضاً له ما يبرره في إطار الصراع المصيري الذي يشهده لبنان والمنطقة، والذي لم نخف يوماً موقعنا الواضح والحاسم والصريح منه. لكنّ إيماننا لن يتغيّر بالتعدديّة، فهي الأرضيّة الصلبة التي تقوم عليها الأوطان، وسنواصل رهاننا على الحوار حسب الأصول العقلانيّة والسلميّة. لذا فمن الطبيعي والمنطقي والديموقراطي ـ في انتظار «يوم الدينونة» ـ أن يُحاسَب أي كاتب أو مفكّر أو رجل سياسي على مواقفه ومبادراته وكتاباته السابقة والحالية. للموت حرمته بما لا يرقى إليه الشكّ، لكن المفكّر أو المبدع أو السياسي يستأنف وجوده بأشكال أخرى بعد رحيله، ويحق لنا أن نواصل سجالنا معه (ومحاسبته) على امتداد الأجيال والقرون المقبلة.
(التحرير)