ليست الكتابة بالنسبة إلى الطاهر لبيب، معرفية أو علمية بحتة، وإن كانت في علم الاجتماع. الكتابة تقوم على المتعة وعلى لذة النص أولاً. ربما لذلك لا نرى في لبيب مجرد عالم اجتماع، إذ إنّ الأدب والاهتمام به أيضاً من منظور سوسيولوجي حاضران في كتاباته. ولعلّ ذلك مردّه إلى أنّ «الأدب هو حبه الأول، ولعله الأخير» كما يقول. من هنا هذه المتعة التي نجدها في قراءة نصوصه. المشكلة ربما، هي أنّ لبيب من المقلّين، كما يشير من كتبوا عنه. وإذ يُسأل لبيب عن ذلك، يقول: «لا أدري ما حدود القلّة. إذا كنت مقلاً فلعلّ مأْتى ذلك أن علاقتي بالكتابة علاقة متعة. لا أكتب في ما لا أحب الكتابة فيه، لا باسم الواجب ولا تحت الطلب. هناك، إذاً، جانب مزاجي. لي إعجاب كبير بمن لهم طول النَّفَس في الإبداع، ولكني أعجب لأمر مَن لهم طول النفس في إنتاج اللامعنى».
وإذا عدنا إلى كتاب «سوسيولوجيا الغزل العربي» الذي رجع إليه بارت في كتاباته عن الحب ونوه به المستشرق أندريه ميكال، يلاحظ لبيب أنهّ لاقى قبولاً ورفضاً في الوقت عينه. إذ رآه متخصصو الأدب العربي «تدخلاً من علماء الاجتماع في ما لا يعنيهم، ورأى بعض العقائديين أنه يُجرد العذريين من عفتهم التي استقر الرأي عليها». وفي الحالتين جوبه الكتاب لأنّه «يذيب مثالية العالم العذري في واقع تاريخي اجتماعي هو أقل امتثالية للمبادئ الدينية والأخلاقية وحتى الجمالية مما اعتقد مؤرخو الأدب والمدافعون عن ورع الحب العذري وعفته. لم يكن سهلاً محو الصورة القديمة عبر القول إنّ الحبيبة غير المنتجة أو التي لا جنس لها في الشعر العذري ليست سوى رمز لوضع هامشي عاشته المجموعات التي صاغت جمالية العالم العذري. وهي هامشية يمكن الدلالة عليها، تاريخياً، في مستويات مختلفة، بما فيها السياسي والديني وحتى اللغوي». وعلى كل حال، فإن «العرب يمجّدون أدبهم ويترددون في تحويله إلى موضوع سوسيولوجي. الجامعات العربية نفسها لا تزال مترددة في ذلك. قد يعود هذا إلى أن سوسيولوجيا الأدب، كما نشأت وتطورت، كانت ذات منزع ماركسي، وكان ينظر إلى ماديتها على أنها تختزل خصوصية الأثر الأدبي أو تفسد المتعة به». أما كيف ينظر لبيب إلى طروحات كتابه اليوم، فالإجابة أنّه شهادة عن مرحلة. قد «تحتاج بعض جوانبه إلى إعادة النظر والتعديل في ضوء ما استجدّ في مجاله»، وخصوصاً أنّه ـــــ كما يقول الكاتب نفسه ـــــ لم يتوقف بالقدر الكافي عند الوسائط بين الإبداع الأدبي والواقع الاجتماعي. أما المقولة الأساسية في تعبير الشعر العذري عن الهامشية، خلافاً لما يقال عن امتثاليته، فهي مقولة ثابتة، ومن دونها ينهار العمل كله.