بيار أبي صعب
هناك علاقة غريبة بين المسرح والسينما في تونس. فالخشبة التي أرساها علي بن عيّاد مع استقلال البلاد، بدعم من الرئيس بورقيبة، أمدّت الشاشة التونسيّة بمعظم ممثليها... وأهمّهم بلا شكّ. لكن العلاقة الملتبسة لا تنتهي هنا. فتونس هي البلد الذي يهوى مسرحيّوه مغازلة الفنّ السابع بامتياز. والفاضل الجعايبي يقف في طليعة هؤلاء. في عام 1977 حوّل ــــ مع شركائه في «المسرح الجديد» ــــ مسرحيّة «العرس» البريختيّة المنشأ («عرس لدى البورجوازيّة الصغيرة»)، إلى فيلم يُعَدُّ تجربة على حدة في تاريخ السينما العربيّة. وبعد عشر سنوات، عاود المغامرة مع شريكه آنذاك الفاضل الجزيري، إذ نقلا مسرحيتهما «عرب»، الإنتاج الأخير باسم «المسرح الجديد»، إلى الشاشة الكبيرة (1988). أما مغامرته الثالثة، فكانت سينمائيّة صرفة، خاضها الجعايبي مع محمود بن محمود في فيلم «شيشخان» (1992)، من بطولة جميل راتب وجليلة بكّار. لكن المناخات المسرحيّة هي التي صنعت فرادة الفيلم المذكور وخصوصيّته. وها هو يعيد الكرّة منفرداً في «جنون»، مستنداً إلى المسرحيّة التي أخرجها عن نصّ كتبته جليلة بكّار انطلاقاً من «يوميات خطاب فصامي» للطبيبة النفسيّة ناجية الزمني. إنّها الرحلة الأبديّة نفسها، بحثاً عن تلك الحدود الواهيّة بين المجرّد والملموس، بين الزائل بامتياز والباقي مطبوعاً فوق شريط سينمائي...