محمد عبد الرحمن

تحكّمت طويلاً بسوق الدراما، لكنّ شبحها سيتوارى قريباً. الإنتاجات الضخمة وأجورُ الممثّلين و«تعنُّت الفضائيات» دفعت بمدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة إلى التخلّي عن سياسة «العرض الأول». من الآن فصاعداً، ستعرض مسلسلاتها على أكثر من قناة. «ومن يعترض، فليدخل بنفسه وُحول الإنتاج»!

قبيل موسم رمضان 2007، قرر بعض المنتجين الابتعاد عن الحصرية، بسبب الرغبة في زيادة جماهيرية مسلسلاتهم، وخصوصاً أن هذه السياسة باتت سلاحاً ذا حدّين: فهي من جهة، تريح المنتج من حسابات الربح والخسارة، لأنه يضمن عرضاً أول للعمل بمقابل مادي، يتقاضى جزءاً كبيراً منه قبل انتهاء التصوير. لكنّ الحصرية، قد تقف عائقاً أمام متابعة الجمهور، المصري خصوصاً، لهذا المسلسل. ذلك أن إقبال المصريين على أي عمل درامي، يتوقف على مدى شعبية القناة. ثم توقيت العرض التي قد تختاره القناة الخليجية مثلاً بعد الإفطار حسب توقيتها المحلي، فيما يكون هذا الموعد قبل أن يضرب المدفع في القاهرة، وبالتالي لن يتابعه الجمهور هنا.
هذه الخطة نجحت مع مسلسل «راجل وست ستات» (إنتاج «شركة سكرين 2000» وشركة «الصباح»، ومن إخراج أسد فولادكار)، فوفّرت لأشرف عبد الباقي و«ستّاته»، انتشاراً كبيراً على الفضائيات العربية (25 محطةً على أقلّ تقدير). حتى إنّ قناة «الشاشة» بدأت عرض الجزء الثاني مشفّراً من الآن، ولم تنتظر المنافسة مع المحطات الأخرى في رمضان المقبل. والأمر نفسه تكرر مع المنتج محمد فوزي الذي لم يكتف ببيع مسلسل «الدالي» لأكثر من محطة في الموسم الماضي، لكنّه وقع عقوداً تسمح بعرضه مرة واحدة فقط، وذلك، للإفادة مادياً من كل عرض جديد على هذه الفضائية أو تلك. والنتيجة: «الدالي» هو المسلسل الرمضاني الوحيد الذي لم يُعَدْ عرضه بكثافة حتى الآن (تعيد عرضه قناة المسلسلات التابعة لشبكة «أوربت» عند الساعة 19:30). وينتظر فوزي اقتراب شهر رمضان 2008، لتبدأ الفضائيات التي ستشتري الجزء الثاني عرض الجزء الأول حتى تُذكّر الجمهور بقصة سعد الدالي.
وسط كلّ هذا، اقتنع المنتجون بأن البيع الحصري لم يعد حتى على المستوى المادي، مربحاً. صحيحٌ أن القنوات تدفع الكثير من المال لشراء المسلسل، لكن إعادة بيعه، ستبقى أفضل من الناحيتين، المادية والجماهيرية. اللهمّ إذا كانت القناة شريكة في الإنتاج مثل مسلسل «الملك فاروق». وهنا، تؤدي الشركة المنتجة دور المنتج المنفذ فقط، لأنها تتحرّك برأس مال mbc.
وهناك حالة ثانية تسمح بالإفادة من الحصرية، وهي أن يكون المسلسل متوسط الكلفة. وأكبر دليل على ذلك، مسلسل «صرخة أنثى» الذي راهن على القصة (التصحيح الجنسي)، لا على النجوم. فباستثناء داليا البحيري وطارق لطفي، فإن باقي أبطال العمل هم من أصحاب الأجور الأقلّ من المتوسطة. لذا، استطاعت المنتجة ناهد فريد شوقي تعويض الكلفة عبر عرضه أولاً على «أبو ظبي»، على أن تجني الأرباح من المحطات التي ستعرضه بعد ذلك.
كل ما سبق دفع بمدينة الإنتاج الإعلامي إلى إعلان رفضها سياسة الحصرية في 2008. وأوضح يوسف عثمان، مدير الإنتاج الدرامي في مدينة الإنتاج الإعلامي لـ«الأخبار»، أنّ المسلسلات التي أدرجتها المدينة ضمن خطة إنتاج هذا العام، لن تعرض حصرياً على أيّ فضائية عربية. علماً بأنّ عدد هذه الأعمال هو 13، بينها «أسمهان» بطولة سلاف فواخرجي وإخراج شوقى الماجري (يتناول سيرة المطربة السورية الراحلة)، و«مدّاح القمر» الذي لم يحدد اسم بطله بعد، للمخرج مجدي أحمد علي (يروي حياة بيلغ حمدي)، و«العنكبوت» بطولة أحمد عبد العزيز وإخراج إبراهيم الشوادي (يدور حول شبكات الجاسوسية في مصر)، و«ليل الثعالب» بطولة فاروق الفيشاوي وإخراج محمد فاضل (يرصد قضايا غسل الأموال)، و«الفنار» بطولة صابرين وإخراج خالد بهجت (يناقش واقع المصريين المقيمين في إسرائيل)... وعزا عثمان هذا القرار إلى اكتشاف المدينة أنّ البيع الحصري اليوم لم يعد يحقّق مكاسب مادية، بخلاف ما كان يحدث في السنوات الماضية، فالمبلغ الإجمالي لعائد بيع المسلسلات إلى أكثر من فضائية يبقى أعلى من عائد البيع الحصري لمحطة واحدة. لكن ذلك ليس كل شيء، إذ اعترف بأنّ المدينة ضاقت ذرعاً بـ«تعنّت الفضائيات» التي طالبت أخيراً بمشاهدة نسبة 75 في المئة من حلقات أي مسلسل لتقرّر بعدها إذا كانت ستشتريه. وأشار يوسف عثمان إلى أنّ المدينة اتّخذت فعلاً بعض الخطوات حيال منع الحصرية، فرفضت مثلاً طلب تلفزيون الكويت بشراء حقّ العرض الحصري لمسلسل «قصة الأمس». ورأت المدينة أن أسماء العاملين فى المسلسل، وفي مقدمتهم إلهام شاهين والمخرجة إنعام محمد علي، كافية لتسويقه إلى أكثر من قناة. علماً بأن المسلسل يتناول قصة أستاذة جامعية تسافر مع زوجها الطبيب للعمل في الكويت، ويعيشان هناك أكثر من عشرين عاماً. ثم تضطر الزوجة للعودة إلى مصر ليلتحق أبناؤها بالجامعة، ثم تكتشف أنّ زوجها الذي ابتعد عن عائلته، متزوجٌ من أخرى.
يذكر أن الفنان يحيى الفخراني ركب موجة مواجهة الحصرية. ففي العام الماضي، رفضت شركة «كنج توت» البيع الحصري لـ«يتربّى في عزو» إلى قنوات، لم تستطع تقديم المقابل المادي الذي يعوّض كلفة الإنتاج وأجور النجوم. هكذا، قررت «كنج توت» تسويق المسلسل لأكثر من فضائية، وهو ما استمر بعد رمضان.
أما بالنسبة إلى «العدل غروب» التي تنتج مسلسلاً جديداً ليسرا، يكتبه وحيد حامد ولم يقرر اسمه بعد، فالشركة لم تعلن عن موقفها من سياسة الحصرية بعد، خصوصاً أنها قدّمت في السنوات الأخيرة مسلسلين حصريين لـ»أم بي سي» («ريا وسكينة» و»العندليب»)، ثم أعادت الكرّة العام الماضي مع يسرا في «قضية رأي العام» الذي عرض أولاً على تلفزيون «دبي».
وسط كل ذلك، يبقى السؤال: هل ستدفع السياسة الجديدة ـــــ إن طبّقت فعلاً ـــــ الفضائيات إلى البحث عن بدائل لمواجهة ثورة المنتجين، وتضمن بثّ لافتة «حصري» على شاشاتها في رمضان المقبل، ما يعني أنها ستتوجه أكثر فأكثر صوب إنتاج مسلسلاتها بنفسها؟