strong>عثمان تزغارت
نافست صوره مشاهير الفنّ على أغلفة الصحف الشعبية وأحدث «تسونامي» في الأعراف البروتوكولية الفرنسية... في وثائقي «نجم في الإليزيه»، تضيء «الجزيرة» الليلة على المفارقات الفاقعة التي تطبع أداء الرئيس ساركوزي. وتتوقف عند علاقته بأميركا وحُلم «الاتحاد المتوسطي»

تحت عنوان «نجم في الإليزيه»، تعرض قناة «الجزيرة» مساء اليوم تحقيقاً خاصاً من أربعين دقيقة، يسلّط الضوء على المفارقة الفاقعة التي تطبع أداء نيكولا ساركوزي، منذ تسلّمه الحكم في أيار (مايو) الماضي. خلال حملته الانتخابية، وعد الرئيس الفرنسي الجديد ناخبيه بإحداث قطيعة جذرية في الأعراف السياسية للدولة الفرنسية، بغية تحقيق إصلاحات واسعة لإعادة توازن الصلاحيات الإدارية والحكومية والبرلمانية. وهي تعاني خللاً متزايداً بفعل تجارب التعايش الحكومي المتكررة منذ أواخر الثمانينيات. ما دفع بالعديد من الخبراء والسياسيين إلى المطالبة بتعديل دستور عام 1958، للانتقال من جمهورية الجنرال ديغول الخامسة إلى جمهورية سادسة، أكثر عصرنة وتأقلماً مع تطوّرات عالم ما بعد الحرب الباردة وتحديات العولمة...
لكن مؤيدي ساركوزي وخصومه على السواء، فوجئوا بأن نزيل الإليزيه الجديد طرح جانباً مشاريعه الإصلاحية الطموحة. وشُغل عنها بمشاكل حياته الشخصية وهمومها، بدأت مع مغادرة زوجته السابقة سيسيليا قصر الرئاسة وطلبها الطلاق، على خلفية علاقة غرامية نشأت قبيل انتخابات الرئاسة بينها وبين خبير علاقات عامة، استُعين به خلال الحملة الانتخابية لتلميع صورة ساركوزي في وسائل الإعلام!
مثّلت حادثة طلاق نيكولا وسيسيليا ساركوزي سابقة بالنسبة إلى رئيس في الحكم. لكن ساركوزي لم يتردّد، بعد طلاقه بأقلّ من شهرين، وحيال تراجع شعبيته لدى الفئات المحافظة من ناخبيه، في الإقدام على سابقة أخرى هي الزواج في قصر الرئاسة. وذلك ما لم تشهده فرنسا منذ عهد نابوليون الأوّل.
كلّ هذه المفارقات والهزّات جعلت أخبار الحياة الشخصية للرئيس الفرنسي تغلب على نشاطه السياسي، وخصوصاً أن السيدة الأولى الجديدة ليست سوى كارلا بروني، عارضة الأزياء الإيطالية السابقة. لكن تحوّل الرئيس إلى «نجم» تتصدر صوره أغلفة الصحف الشعبية، جعل جماهريته تنحدر سريعاً في استطلاع للرأي أجري مطلع السنة الحالية. ورغم أن صور الرئيس لا تزال تنافس صورة مشاهير الفن ونجوم السينما والغناء على أغلفة الصحف الشعبية، يواجه ساركوزي انتقادات سياسية متزايدة بسبب تخبّط أداء حكومته، في ظلّ تداخل صلاحيات الرئيس ورئيس الحكومة. فضلاً عن كون هذه الحكومة تتكوّن من خليط هجين من الوزراء اليمينيين والمنشقّين اليساريين. وإن كان الرئيس ساركوزي قد أحدث «تسونامي» جارفاً في التقاليد السياسية والأعراف البروتوكولية الفرنسية، فإن أداءه السياسي لم يختلف عن سابقيه، سوى في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. ذلك أنّه أحدث قطيعة جذرية مع «الإرث الشيراكي» ليحلّ محل رئيس الحكومة البريطاني السابق توني بلير كأبرز مؤيد أوروبي لسياسات إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش.
«نجم في الإليزيه» (إعداد وتقديم عبدالدايم الصماري، وسيناريو وإخراج عبدالله البني)، يضيء على خصوصيات ومفارقات هذا الأسلوب الإشكالي الذي يتّسم به حكم الرئيس ساركوزي في إدارة سياسة بلاده الداخلية والخارجية. وذلك عبر الاعتماد على شهادات وتحاليل مجموعة من الشخصيات الفرنسية البارزة، بينها: المستشار السياسي الخاص للرئيس ساركوزي هنري غوينو، ووزيرا الخارجية السابقان هوبير فيدرين ورولان دوما، والمسؤول السابق عن شعبة مكافحة الإرهاب في الاستخبارات الفرنسية لوي كابريولي، ورئيسة تحرير صحفية «لوموند» صوفي غيراردي... هكذا يتناول الشريط ثلاثة محاور من أسلوب حكم نيكولا ساركوزي: أولاً، الحياة الرئيس الخاصة. ثم علاقته بأميركا وزيارته الأخيرة إلى الخليج التي تزامنت مع زيارة بوش، وأثمرت اتفاقاً مع دولة الإمارات على إنشاء قاعدة فرنسية دائمة في المنطقة. فضلاً عن رحلاته المكوكية إلى دول العالم للترويج لبيع الطاقة النووية السلمية والخبرات الفرنسية في هذا المجال. أمّا ثالثاً، فيضيء الوثائقي على حلم الرئيس بقيام «الاتحاد المتوسطي» الذي يطمح من خلاله لإعادة الدور الفرنسي التاريخي بين دول شمال المتوسط وجنوبه. وهذا الحلم يواجه جملة من «كوابيس» تمنع أو تؤخّر تحقيقه، أهمها: وجود إسرائيل وسوريا ضمن الشراكة المتوسطية، ومأزق الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، و«التعويض» لتركيا الرافضة بإعطائها دوراً في المتوسط بدل انضمامها للاتحاد الأوروبي، وغيرها من المسائل التاريخية العالقة بين دول البحر المتوسط. ويندرج هذا التحقيق ضمن سلسلة من التحقيقات الإخبارية التي تعتزم «الجزيرة إنتاجها» دورياً، وتتناول الأحداث الجارية مع وضعها ضمن سياق وثائقي. ويقول الثنائي عبد الدايم الصماري وعبد الله البني إن إدارة «الجزيرة» أعطتهما الضوء الأخضر لتكثيف الإنتاج الوثائقي الإخباري والاستقصائي، وأنهما حالياً في طور البحث عن اسم ثابت لهذه السلسلة، لينتظم بثّها مرة أو مرتين في الشهر، على شكل حلقات من 30 دقيقة.
ويوضح المنتجان أن «الهدف من إنتاج حلقة «نجم في الإليزيه»، وسلسلة الحلقات التي ستليها، هو أن تكون «الجزيرة» في قلب مجريات الحدث، وتحاول الوصول إلى تفاصيل، لا يجري تناولها عادةً في لحظة تداول الخبر في نشرات الأخبار. وذلك من خلال الانتقال مباشرة إلى موقع الحدث، وإجراء تحقيق ميداني معمّق، لتكوين صورة متكاملة عما جرى». وعن خصوصيات هذه الحلقة، يقول المخرج البنّي: «خلال إنتاج هذا الفيلم في فرنسا، لم نواجه أي صعوبات ميدانية أو أمنية أو لوجيستية. وقد استعنّا بمعدّات من مكتب «الجزيرة» في باريس، وأسهم الجميع هناك في إنجاح هذا العمل. كما لفتنا التجاوب السريع من جانب قصر الإليزيه عندما طلبنا تصريحاً للتصوير في الباحة الداخلية للقصر». أمّا بالنسبة إلى مضمون الشريط، «فهو ليس موّجهاً ضدّ الرئيس ساركوزي، ولا يمدحه في الوقت نفسه. خطّنا التحريري المعتمد في الإنتاج الوثائقي هو تناول الأحداث كما جرت، من دون اتخاذ أي موقف منها».
يذكر أخيراً أن «نجم في الإليزيه» سيعاد عرضه غداً عند الساعة 19:05، والجمعة عند 04:05 فجراً.

23:05 على «الجزيرة»