strong>حسين السكاف
احتفى أخيراً متحف «لويزيانا للفن الحديث» في الدنمارك بأعمال التشكيلي الإنكليزي، من أصل ألماني، لوسيان فرويد حفيد سيغموند فرويد. واحتضنت قاعات المتحف الثلاث 90 عملاً، بين زيتي وغرافيكي، إضافة إلى عمل مائي واحد.
حين هاجر لوسيان مع عائلته إلى بريطانيا عام 1933، كان في الحادية عشرة. ومن موطنه الجديد انطلق ليصبح من أهمّ فنّاني العالم. اشتهر لوسيان فرويد بلوحات الـ«بورتريه» وشخوصه العارية، علماً بأنّه يصبّ اهتمامه على إظهار الإيقاع البشري الداخلي، وصراعات الروح الخفية، ليقدمها إلى المتلقي مادةً جدليّة لعوباً تبعث على الابتسام.
أعماله تساعد المشاهد في النفاذ إلى مكنونات الشخصيات في اللوحة. وطريقته في التنفيذ تساعد ذلك المتلقي على اكتشاف دلالة الإيقاعات الشخصيّة الدفينة، والحالات الخاصة مثل القلق، الخوف، الانتظار، الرغبة والشهوات والفرح أحياناً. واللافت أنّ أغلب أعماله المعروضة في الدنمارك، هي لشخصيات تظهر غالباً عارية... كأن لوحته تنسجم مع نظريات فرويد الأكبر، إذ تُظهر الأجساد العارية الكثير من الصراعات والتجلّيات النفسية، فتتوارى من ذهن المشاهد دلالات الجسد الجمالية أو الشهوانية.
في لوحة «امرأة عارية» (زيت على القماش) نلاحظ جسداً ضئيلاً لامرأة عارية ممدّدة على فراش فقير، والجسد خاوٍ ومتهالك. وعلى رغم هذا، نلاحظ انتعاظ الحلمتين ليدلّنا على حالة الشبق، ما يدفع المتلقي إلى التساؤل: هل الروح المتهالكة ما زالت تحتفظ برغباتها وشبقها؟
العنوان في أعمال فرويد الحفيد له دلالة خاصة. هناك لوحة تظهر امرأة مستلقية على فراش، عارية، وظهرها يقابل السقف. أما عنوان اللوحة «رأس إلى الأسفل»، فيؤكّد على حالة الإحباط التي تعيشها الشخصيّة. والرأس عند هذا الفنان يحظى باهتمام واضح، فهو مخزن الإيقاعات الداخلية وكنز معلومات الرحلة الحياتية، تماماً كما صندوق الطائرات الأسود. وقد اعتاد لوسيان فرويد انتقاء عناوين من النوع الذي يطلق في الحقيقة على الأعمال النحتية... كأن هناك رغبة عارمة لديه لتلمّس أعماله بأصابعه. ولعلّها دعوة للمشاهد كي يتلمس الأعمال، ويركّز على ضرورة التمعن وقراءة العمل بطريقة مختلفة. وهذه العلاقة بين الفنان والمتلقي، تقترب إلى حد بعيد من نظرة الطبيب النفسي حين يلتقي مريضه لأول مرة، بنظرة متفحصة سرعان ما يتم تدوينها على الورق. كأنه في هذا يريد أن يحقق لنا التزامه وتأثره بالمدرسة الفرويدية.
والمعروف أن سيغموند فرويد أدى دوراً حاسماً في تغير نظريات الفن التشكيلي، من خلال مجموعة محاضراته في علم النفس وتحليل الشخصية التي جمعها في كتاب بعنوان «الطوطم والحرام». وقد غيرت الأفكار التي أوردها في الكتاب نظرة الفنان تجاه موديلاته، فصار يدخل في التفاصيل الداخلية للشخصية. وقد تأثر باجتهاداته كثير من الفنانين، على رأسهم السرياليون الذين ركّزوا تجربتهم على أهمية اللاوعي في التعبير والإبداع والكتابة.
ونجد أنّ أغلب أعمال لوسيان فرويد ركّزت على إبراز الإيقاع الداخلي للشخصية. هناك مثلاً لوحات ركّزت على الأشكال والوجوه الإيرلندية، إذ أظهر فيها بعض ملامح الصلابة أحياناً، والخواء في أحيان أخرى.
والملاحظ أيضاً أن جميع الأعمال المعروضة غير موقّعة من الفنان، وتلك الظاهرة لها دلالتها الفنية، فهناك الكثير من الفنانين التشكيليين، ولوسيان فرويد بينهم، يعتقدون بأنّ توقيع العمل هو إعلان صريح عن إتمامه، فيما يرى هؤلاء أنه ما من عمل يمكن إتمامه.
لم يبتعد النقاد المتابعون لأعمال لوسيان فرويد عن الحقيقة عندما اعتبروه من الأبناء المخلصين لمدرسة سيغموند فرويد، في تفسيرات الجسد وإسقاطات الجنس وتأثيراته. أمّا أهمية أعماله فتكمن أيضاً في تصوير نظريات سيغموند فرويد وتطبيقاتها من خلال الفن التشكيلي. إذ إنّ نظريات المدرسة الفرويدية التي تأسست على فكرة الكبت الجنسي وتأثيراته، وفلسفة الجسد ودلالاته، هي بالحقيقة الموضوع الأساس لأغلب أعمال هذا الفنان.