رام الله ـ يوسف الشايب
قرر الشاب كمال عواد أن يرسم المنازل الصامدة في مخيم جنين لللاجئين، التي لم تنهشها براثن جرافات الاحتلال، أو تخترقها رصاصات دباباته، أو تدمّرها قذائفه الصاروخية، في محاولة منه لتأكيد صمود أهل المخيم في منازلهم التي يعيشون فيها منذ ستين عاماً مرّت على لجوء الأجداد.
وتأتي لوحة عواد ضمن سلسلة من اللوحات التي نفّذها أطفال وشباب، يعيشون في مخيمات الجلزون (قرب رام الله)، وجنين، والدهيشة (قرب بيت لحم)، ليتضمّنها معرض فنّي يحمل عنوان «ارسم مخيّمك»، تستضيفه قاعة المركز الثقافي الفرنسي الألماني في رام الله، حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
الفكرة بدأت منذ الزيارة الأولى لمصمّمة الأزياء الفرنسية الشابة آن توكيه، إلى الأراضي الفلسطينية، وبالتحديد إلى مسرح الحرية في مخيم جنين للمشاركة في وضع الأزياء لمسرحية هناك. كان ذلك في الصيف الماضي، وقد حدث لها ما يحدث لكثير من الأجانب، إذ وقعت آن في غرام فلسطين بعد رحلتها الأولى إليها، وقرّرت أن تساهم في الانتصار لثقافة الحياة فيها. توكيه التي تعمل حالياً مع مصمّم الأزياء العالمي كريستيان لاكروا، قامت بكل ما يمكنها لقيادة ورش عمل للرسم في مراكز الأطفال في تلك المخيّمات على نفقتها الخاصة، وببعض المساعدات التي حصلت عليها من أصدقائها الباريسيين، عبر تنظميها للقاءات خاصة في العاصمة الفرنسية للحصول على دعم لمشروعها الإنساني الفني. تجوب آن توكيه الضفة الغربية دون كلل أو ملل منذ ثلاثة أشهر، ونراها دائمة الحضور في عدد من المخيمات.
توكيه، التي «صعقت من سيطرة الاحتلال على رسوم الأطفال في المخيمات الفلسطينية»، وانعكاس الأحداث السياسية والعسكرية على ما ترسمه الأنامل اليافعة هناك، حيث الدبابات، والأسلحة، والجنود، والدماء... قررت أن تقيم ورش العمل هذه لتمنح الأطفال والشباب «مساحة أوسع يمكنهم معها النظر بطريقة مختلفة إلى المخيّم الذي يعيشون فيه». وتضيف توكيه «أردت أن يعكس الأطفال الحياة في المخيم، لا الاحتلال. فالاحتلال موجود، لكن لا يجوز أن يقتل الحياة داخلهم»، مشيرة إلى أنها ستواصل عملها مع الأطفال والشباب في المخيمات، وأنها بصدد الترتيب لورش عمل جديدة، الصيف المقبل، مؤكدة أن أطفال المخيمات «يعانون أكثر من غيرهم، وبالتالي فهم بحاجة إلى مثل هذا الدعم.. إنهم يستوعبون ما أقدمه لهم بسرعة، وربما نشهد ولادة فنانين فلسطينيين من بينهم في المستقبل». فيليب بولونيي، مدير المركز الثقافي الفرنسي برام الله، أكد أن توكيه «نجحت في إثبات أن الحياة مشعة أيضاً داخل المخيم، الذي لا يجوز التعاطي معه باستمرار على أنه مكان للبؤس والشقاء والمعاناة، حيث استطاعت إبراز الجانب الفني والجمالي في المخيمات، عبر أطفالها وشبابها».
هداية عبد الناصر (12 عاماً)، إحدى المشاركات في المعرض من مخيم الجلزون، أكدت أنها استفادت كثيراً من ورش العمل مع آن توكيه، «تغيرت طريقتي في الرسم كثيراً، أحببت الرسم كوسيلة تعبير، وأحببت طريقة آن في التعليم. كانت تجربة مثيرة، وأعتقد أنني اكتشفت فنانة بداخلي».