عمان ـــ جعفر العقيلي
لم يكن في حسبان معتقلي غوانتنامو أن يصبحوا شعراء. لكنّ عزلتهم التامة في «برزخ قانوني» حولّتهم شعراء، أو أقلّه مشاريعَ شعراء، وجدوا في القصيدة ضالّتهم ليستعيدوا بعضاً من توازن عقليّ ونفسي ووجدانيّ افتقدوه. ولعلّ خير مثال على استعادة التوازن بالشعر هو ما قاله مرّةً الشاعر اليمني أحمد العواضي عندما سئل عن سرّ ولادة قصيدته «المدوّرة» في السجن. أجاب أنّ هذا الشكل من الشعر كان يلبّي رغباته في تدوير الأشجان والمشاعر، وإعادة استذكارها لتدوينها لاحقاً أو حفظها خشية أن تضيع. فالإنسان القلق والمأزوم يرى كل ما حوله يدور. إذاً لماذا لا تدور القصيدة؟
هذا ما فعله شعراء غوانتنامو بالتأكيد قبل أن يهتدوا إلى الأكواب المصنوعة من الفلّين، لينقشوا عليها أبياتهم بالحصى قبل أن يُسمَح لهم باستخدام الورقة والقلم. الكتاب الذي صدرت طبعته العربية أخيراً عن «دار الفارابي» (ترجمة محمد العناني) بعنوان «قصائد من غوانتنامو» احتفت به رابطة الكتّاب الأردنيين خلال أمسية شعريّة عرض خلالها أحمد جرادات الذي ترجمَ مختارات من القصائد إلى العربية، رحلة هذه القصائد من المعتقل إلى خارج الأسوار حتى نشرها.
من حسن حظّ هؤلاء «الشعراء المعتقلين» أنْ قُيِّضَ لهم محامٍ تطوّع بزيارة المعتقل التابع للجيش الأميركي وإخراج القصائد إلى النور. لكنّ هذه القصائد خضعت لرقابة خبراء بعد ترجمتها من لغتها الأصلية (العربية أو الباشتونية) إلى الإنكليزية، لتصدر مقتطفاتٌ منها في كتاب عن جامعة «إيوا» طُبعت منه 10 آلاف نسخة العام الفائت. Poems From Guantanamo حرّره وقدّمه مارك فالكوف، محامي الدفاع عن عدد من المعتقلين، ومهّد له فلاغ ميلر، إضافة إلى تعقيب وضعه أرييل دورفمان.
يقدّم الكتاب صورةً من قرب عن معاناة هؤلاء، والمحنة التي يعيشونها منذ عام 2002. وخلال الأمسية العمانيّة، أعرب أحمد جرادات عن أسفه لأنّ القصائد خسرت مرّتين من قيمتها وروحها الشعرية، لا بسبب ترجمتها إلى الإنكليزية، ومن ثم نقلها إلى العربية فحسب، بل أيضاً بسبب مقص الرقيب الأميركي، مبيّناً أن هناك عدداً كبيراً من القصائد التي أتلفتها إدارة السجن.
واستشهد جرادات بالنظريّة التي يوردها أرييل دورفمان في تعقيبه بأنّ المصدر النهائي لهذه القصائد يكمن ببساطة في «التنفّس» أي في عمليّة الشهيق والزفير. فأصل الحياة وأصل اللغة وأصل الشعر موجود في النفَس الأول للإنسان. والكلمة المكتوبة ما هي إلا محاولة لجعل التنفّس دائماً وآمناً. ويذهب دورفمان إلى أنّ الشهيق والزفير هو الشيء المشترك بين السجناء وسجّانيهم، والشعر يمثّل دعوة إلى الذين يتنفّسون الهواء نفسه لكي يتنفّسوا القصائد نفسها.
أما الطبعة العربية من الكتاب الذي صدر عن «دار الفارابي»، فتضمّ 21 قصيدة تتعدّد مستوياتها الفنية لواحد وعشرين شاعراً من السعودية، الكويت، باكستان، البحرين، تشاد، اليمن، الأردن والسودان.
***

Hidden In Plain Sight هو عنوان معرض الفنان محمد عبد الله الذي يُفتتح اليوم في «غاليري صافانا» (فردان ـ بيروت) ويستمر حتى 23 من الشهر الجاري. (للاستعلام 01،869564). كذلك يبدأ ظهر اليوم عرض Performance في «سينما استرال» (الحمرا) يستمرّ حتى منتصف الليل للفنانة الألمانية فرانسيسكا بيرفوس التي ستقدّم عرضاً من ثلاثة أجزاء (يتألّف من بيرفورمانس، قماش، تركيب، فيديو) في الأشهر المقبلة. ويؤلف عرض اليوم الجزء الأول من هذا اللقاء الذي تنظّمه جمعية «زيكو هاوس». للاستعلام 03،810688