strong>محمد عبد الرحمن
الخشبة التي هجرها الجمهور طويلاً في القاهرة، عادت إليها الأضواء بعد أزمات رقابية وقضائية. بعد السينما التي أعلنت الحرب على الحكومة، والدراما التي تُلامس الخطوط الحمر، جاء دور مسرح القطاع العام ليثير الجدل... حتى في مجلس الشعب!

ما يحدث في القاهرة اليوم يؤكّد أنّ المسرح سيعود إلى المنافسة قريباً. «أبو الفنون» الذي عانى كثيراً التهميش، في ظلّ سطوة السينما وغزو الفضائيات، يخطف الأضواء من جديد، وفي القطاع العام تحديداً. ذلك أن المسرح الخاص لا يزال يعتمد على نجوم بارزين، هم عادل إمام وسمير غانم ثم أحمد آدم.
إلا أن الضجّة التي تثيرها أعمال المسرح العام، والتي لفتت أنظار الجمهور إليه، ليست رقابية فقط. صحيحٌ أنّ الرقابة تمثّل نقطة انطلاق لمعظم هذه الأزمات، لكنّ التطبيع مع إسرائيل ودخول الإخوان المسلمين على خطّ المسرح، ورقصات فيفي عبده وزواج حسين فهمي... أسهمت جميعها في عودة الروح إلى صالات العرض. من بين القضايا المسرحية التي أثارت الجدل في الآونة الأخيرة، «زكي في الوزارة» (تأليف لينين الرملي، إخراج عصام السيد وبطولة هالة فاخر وحسين فهمي وعمر الحريري). هذا العمل الذي انطلقت عروضه بداية الشهر الماضي على المسرح القومي، واجه انتقادات حادة، وخصوصاً إدارة المسرح التي وافقت على احتضان العرض، بعد اتهام لينين الرملي بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل في عمل سابق هو «اخلعوا الأقنعة» (راجع «الأخبار» عدد 15 ك2/ يناير 2008).
أما بالنسبة إلى «زكي في الوزارة»، فقد هاجم الناقد المسرحي، نادر ناشد، الجمل الحوارية التي يتضمنّها النص، والتي تدعو إلى إعادة النظر في مسألة التطبيع، على رغم إشادته بجودة العمل الفني نفسه. والقصّة تدور حول كاتب انتقد أداء الحكومة في الصحف، وفرح جداً عندما أُقيلت تلك الحكومة، فمنّى نفسه بأن يصبح وزيراً في التشكيلة الجديدة. لكنّه فوجئ بأنّ مَن سينفذ المهمة هو رئيس الوزراء السابق. وإذا به، نتيجة صدمته النفسية، يتخيّل أنه أصبح وزيراً بالفعل، فيحوّل منزله إلى ديوان وزاري، وتستمر اللعبة ويصبح الوزير «الخيالي» فاسداً أيضاً.
هذا ليس كل شيء. بعيداً عن إسرئيل، هدد بعض الممثلين، وفي مقدّمهم سامي مغاوري، بالانسحاب من العرض، بعدما لاحظ اهتمام حسين فهمي الزائد بزوجته الجديدة لقاء سويدان. واعترض هؤلاء على تحية سويدان للجمهور بعد نهاية العرض. إذ تَدخل «لقاء» مع زوجها لتقديم التحية، وذلك بعد دخول كل الممثلين الذين يسبقونها خبرةً وأقدميةً، علماً بأن سويدان تؤدي في العمل دور ابنة حسين فهمي، ما دفع بهالة فاخر (تؤدي دور الزوجة) إلى ارتجال نكات عن علاقة حسين بـ«لقاء»، داخل المسرحية وخارجها. أما شريف عبد اللطيف، مدير المسرح القومي، فوعد الممثلين بحلّ الأزمة سريعاً، تفادياً لتنفيذ التهديد بالانسحاب، وخصوصاً أنّ «لقاء» حصلت أيضاً على مساحة أكبر مما كان مقرراً في الأفيش المعلّق على باب المسرح العريق في ميدان العتبة.
وعلى رغم توقّف مسرحية «يمامة بيضا»، في انتظار مواصلة العروض في مسرح «السلام» الشهر المقبل، بقيت الانتقادات الموّجهة من الصحف الحكومية للعمل مستمرّة. وبينما خضع فريق العمل لطلب الرقابة بتوقّف الممثل محمود عزب عن تقليد رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف في أغنية «نظيف شريف»، استمرّت الأزمة مع أغنية «يا عم بيع» التي هاجمت بيع الدولة للمصانع والشركات العامة، علماً بأنّ كلمات الأغنية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي (تدور أحداث العمل في ذلك الوقت)، كما يؤكد المؤلف جمال بخيت لـ«الأخبار». وأشار إلى أنّ العرض حقق إقبالاً جماهيرياً بسبب جديّة الطرح، والخبرة المسرحية للبطل علي الحجار. وهو يقف للمرة الأولى على الخشبة مع نجله أحمد، ومعهما هدى عمار ومحمد شرف.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ استمرار مسرحية «يمامة بيضا» لا يعود إلى نجاحها فحسب، بل إلى عرقلة بروفات مسرحية «اللجنة» المقتبسة عن رواية صنع الله إبراهيم التي تحمل الاسم نفسه. وعلى رغم الإعلان عن إطلاق العمل في وقت مبكر من العام الماضي، لم تبصر المسرحية النور بعد. قيل في البداية إن السبب يعود إلى انشغال البطلين نور الشريف وداليا البحيري بأعمال رمضانية. لكن رمضان انتهى، و«اللجنة» لا تزال مجمّدة. على رغم أن البروفات اكتملت، ونور الشريف أخرج الجزء السينمائي من العمل، بالتنسيق مع مخرج المسرحية مراد منير. ثم أثير جدل كبير بشأن المسرحية، إذ اضطر وزير الثقافة فاروق حسني إلى إصدار بيان رسمي، نفى فيه أن يكون قد تدخّل لإيقاف العرض كما تردد، على خلفية خصومته مع الروائي صنع الله إبراهيم، وذلك بعدما رفض هذا الأخير تسلّم جائزة الرواية العربية من حسني قبل سنوات. لكن الوزير استبعد في الوقت عينه أن يتدخّل أيضاً للإفراج عن «اللجنة»، عازياً ذلك إلى أن للمسرح مشرفاً هو أشرف زكي، رئيس البيت الفني. أما زكي فقد قال إن ميزانية المسرحية تضاعفت لتبلغ 25 في المئة من إجمالي الميزانية المرصودة لإنتاج مسارح الدولة في عام كامل، ما أدى إلى توقف العمل في المشروع. ثم عاد هشام جمعة، مدير المسرح الحديث ومنتج العمل، ليؤكد أن الأزمة في طريقها إلى الحلّ، من دون تحديد موعد نهائي للعرض الأول.
وفيما كان مجلس الشعب يناقش الانتقادات الموّجهة إلى مسرحية «روايح» لفيفي عبده (راجع «الأخبار» 30 ك2/ يناير) طلب النائب الإخواني، محسن راضي، الالتفاف صوب عرض آخر هو «كلام في سرّي»، المأخوذ عن المسرحية اللبنانية «حكي نسوان» للينا خوري. وانتقد راضي «الحوارات والمواقف الخادشة للحياء»، مشيراً إلى أنّ وزارة الثقافة تدعم المسرحية التي تمثّل مصر في تظاهرات عربية ودولية. غير أن جهود النائب الإخواني لم تجد صدى، ربما لأن المسرحية لا تضمّ نجوماً وتعرض بشكل غير تجاري، فلم تحظَ باهتمام الصحافة كما حدث مع «روايح» فيفي عبده، علماً بأن الملتقى الإبداعي للفرق المسرحية المستقلّة، الذي يُنهي أعماله الأحد في مكتبة الإسكندرية، عرض «كلام في سري» من دون الاكتراث بالانتقادات الإخوانية.
وفيما تفرّغ راضي للهجوم على مسرحيات الدولة، تحمّل زميله حمدي حسن مسؤولية الدفاع عن مسرحية «الشفرة»، بعدما رفضت الرقابة مشهد أداء الصلاة على خشبة المسرح، على اعتبار أن «الصلاة طقس ديني غير قابل للتمثيل»، وأن الصلاة على المسرح مختلفة في السينما والتلفزيون. كما طلبت الرقابة من بطل العرض، وجدي العربي، عدم النزول بين الجمهور، وكأنه يقود تظاهرة. فيما رأى النائب الإخواني أن الرقابة ترفض تمثيل الصلاة بينما تسمح بمشاهد الجنس وتناول الخمور. كما هاجم النقاد العمل على اعتبار أنه يكرّس المسرح الذكوري، حيث لا نساء في العرض، وهناك فصلٌ بين جمهور الرجال والنساء كل ليلة. أما المسرحية، فتدور في دولة خيالية، لكنها تعكس الواقع المصري، وتؤكد أن الشعب يفتقر اليوم إلى إرادة التغيير.