الدار البيضاء ــ ياسين عدنان
•ماذا تغيّر في عهد الفنانة ثريا جبران؟

مليون دولار ميزانيّة معرض الكتاب المغربي الذي افتتح أمس في الدار البيضاء. هذه الدورة تترافق مع نزول وزيرة الثقافة الجديدة إلى المعترك... وتبدو بصمات الفنانة ثريا جبران واضحة على البرمجة الموازية التي تحتضن مختلف أنواع الإبداع... على حساب صناعة النشر وأهل الكتاب؟

انطلقت أمس فعاليّات الدورة 14 من «معرض الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب» (حتى 17 شباط/ فبراير الحالي) في أجواء تبدو أقل حرارة من السابق. معارك محمد الأشعري الحامية الوطيس مع الإسلاميين، التي كانت تسبق المعرض بأسابيع، صارت على ما يبدو جزءاً من الماضي. إذ إنّ وزيرة الثقافة الجديدة، ثريا جبران، حرصت منذ البداية على ألا يجرفها تيّار المعرض، بدليل غيابها عن ندوة تقديم برنامج هذه الدورة التي احتضنها فندق «شيراتون» في الدار البيضاء. في الندوة التي أدارها رشيد جبوج، المندوب العام للمعرض، أكّد هذا الأخير منذ البداية أنّ لجنة دراسة الملفّات المكوّنة من ممثّلين عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارتي الثقافة والاتصال، ومهنيّي قطاع النشر، قبلت جميع العناوين المعروضة عليها من دون استثناء. وبالتالي، لن يكون في إمكان أحد الحديث عن المنع هذه المرة.
أضف إلى ذلك أنّ ميزانيّة المعرض تضاعفت أيضاً لتبلغ 8 ملايين درهم (أكثر من مليون دولار) أي بزيادة 100 في المئة عن العام الماضي، زيادة يبرّرها انفتاح المعرض هذه الدورة على مختلف الفنون. هكذا، سيكون جمهور الدار البيضاء على موعد مع آخر إنتاجات «مسرح افروديت»، «مسرح الأصدقاء»، «مسرح تانسيفت»، «مسرح الشعب» و«المسرح الجوال»، إضافة إلى سهرات فنية وموسيقيّة سيحييها نجوم الأغنية المغربية، بدءاً من عبد الهادي بلخياط وانتهاء بناس الغيوان وجيل جيلالة. هناك إذاً مهرجان فنّي ومسرحي مهم، سينظّم على هامش المعرض. ولمسة الفنّانة الوزيرة ثريا جبران واضحة على البرمجة. لكن، ألن تسهم كل هذه الأنشطة، على هامش الاحتفالية السنوية الوحيدة التي يحظى بها الكتاب في المغرب، في التشويش عليه وعلى أصدقائه؟
المنظّمون يبدون متفائلين، بل هم يخشون على المعرض من الاكتظاظ فقط. لذا، سيحافظون على سُنّة الأشعري الذي كان قد حدّد مبلغ 10 دراهم (أورو واحد) للعموم، و5 دراهم (نصف أورو) للأساتذة والطلبة والتلاميذ. لكنهم في المقابل، فرضوا على الناشرين الذين يبلغ عددهم 578 من 44 دولة خفض أسعار كتبهم بنسبة20 في المئة. هذا الخفض إلزامي، وخصوصاً أنّ معرض البيضاء يبقى، حسب رشيد جبوج «أرخص معرض للكتاب في العالم من حيث الرسوم التي يدفعها الناشرون لاستئجار أروقته، وهي التي لم ترتفع منذ سنة 2000».
الاحتفالية الفنّية لن تؤثر أيضاً على البرنامج الثقافي والفكري للمعرض الذي يضم 80 ندوة فكرية وأدبية، يشارك فيها أكثر من 200 أديب ومفكّر من المغرب والعالم العربي وأوروبا. هكذا، سيشارك عزمي بشارة وحنان عشراوي ويحيى يخلف ونضال الأشقر وروجيه عساف وصبحي حديدي في ندوة بعنوان «فلسطين: لحظة الوعي العربي ولحظة الوجدان». كما يشارك اليوم الزميلان بول شاوول وبيار أبي صعب، إلى جانب رشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وأمين الزاوي وبنعيسى بوحمالة في ندوة «الإبداع والحرية: كيف نكتب ونفكر في اللحظة العربية الراهنة؟». فيما ستشارك كل من كريستين مونطالبتي، إيريك لورون، فيرونيك بوكلير في «المقاربة الجديدة للعواطف في الأدب».
ندوات أخرى لا تقلّ أهميةً يقترحها البرنامج الثقـــــافي للمعرض في دورته الرابعة عشرة بينها: «الأدب الرقمي: أي أفق؟»،«السينما والأدب»، «نقد الشعر في المغرب»، «صورة الأنا في متخيل الآخر»، «قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات»، إضافة إلى ندوة «بماذا يحلم الشباب؟» التي تديرها الكاتبة المغربية فاطمــــــــة المرنيسي. أما البرنامج الأدبي، فيضم العديد من الأمسيات الشعريـــــــة واللقاءات الأدبية التي ستشهد مشاركة نخبة من المبدعين والشعراء والأدباء العرب، من بينهم: عبد الرحمن الأبنودي، عبد اللطيف اللعبي، الناقد محمد برادة، الطاهر وطار، حلمي سالم، ميسون صقر، الطاهر بنجلون، شربل داغر، عبد الكبير الخطيبي، سيف الرحبي، أحمد إبراهيم الفقيه، أحمد الشهاوي، الطيــــــــب الصديقي، إسكندر حبش وسعيد
الكفراوي.
وتبقى احتفالية «فرنسا ضيف شرف» أهمّ عناوين هذه الدورة. وهي الاحتفالية التي سيندرج في إطارها العديد من الندوات الهامة من بينها: «الأوضاع الراهنة للفرنكوفونية»، «كيف يقرأنا الفرنسيون اليوم؟»و«الكتابة بالفرنسية: تجارب الجيل الجديد».
هذا وستكون فرنسا ممَثَّلةً في المعرض بأكثر من 200 دار نشر، سواء عبر الحضور المباشر أو عبر المكتب الدولي للناشرين الفرنسيين. وكان رشيد جبوج قد برَّر استضافة فرنسا في هذه الدورة بـ«الحضور الكبير والمتميز الذي تحتله الفرنكوفونية في المغرب، وهو حضور يحتلّ فيه الكتاب الفرنسي مكانةً أساسيّة». وكان طبيعياً أن يتجاوب الناشرون الفرنسيون بحماسة مع هذه الدعوة «الكريمة». فالمغرب يبقى أهم سوق للكتاب الفرنسي في القارة الأفريقية، لكن الناشرين الفرنسيين سيكونون مطالبين أيضاً بتبادل الخبرات مع زملائهم العرب خلال الملتقى المهني للكتاب الذي سيُعقد بعد غد، وهو اليوم المهني الذي سيجتمع خلاله أيضاً مدراء المعارض العربية من أجل ضبط أجندة معارض البلاد العربية التي وصل عددها في السنوات الأخيرة إلى 18 معرضاً، تُنظَّم غالباً في أوقات متقاربة، ما يسبّب للمهنيين الكثير من الإرباك. فهل تنجح الدورة الـ14 من معرض الدار البيضاء في منح صُنَّاع الكتاب العربي ومهنييه أول أجندة مضبوطة لمعارض الكتاب في العالم العربي؟



وفي تلك الأثناء... الاحتجاجات مستمرّة

كلّ الذين راهنوا على أنّ المعرض سيمرّ هذه السنة من دون احتجاجات، كانوا مخطئين. فالاحتجاج جزء من دينامية المعرض. لكنه هذه المرة جاء من حيث لم يحتسب المنظّمون. فـ«منشورات طارق»، و«منشورات مليكة» و«كليلة ودمنة» تعرّضت «للمنع» هذه الدورة. من يصدق ذلك؟
الأمر طبعاً لا يتعلق بناشرين إسلاميّين، بل بدُور فرنكوفونية أصدرت بياناً تعرب فيه عن أسفها الشديد لرفض طلبها المشاركة في المعرض. لكن، ما مبررات هذا المنع؟ بالنسبة إلى مندوب المعرض لا منع هناك، بل تطبيق صارم للقانون. وهؤلاء الناشرون، إضافة إلى مؤسسات حكومية أخرى اعتادت المشاركة، لم يضعوا ملفّاتهم في الأجل القانوني الذي حدّدته إدارة المعرض. هذا كل شيء. واحتجاجاً على ما رآه «إقصاءً للزجل» عن فعاليات المعرض، فاجأ أحمد المسيّح، المفتش العام السابق لوزارة الثقافة، الجميع برسالة اعتذار. ورغم أنّ الوزارة برمجت المسيح مرتين هذه الدورة: مرة في قراءات مُمسرحة لمنتخبات من قصائده الزجلية، ومرة لتقديم عبد الرحمن الأبنودي في أمسية خاصة، إلا أن ذلك لم يقنع رائد القصيدة الزجلية الحديثة في المغرب. لذا آثر الاعتذار كي لا يخون الزجل والزجّالين الذين جرىَ إقصاؤهم. أما آخر احتجاج فجاء على شكل بيان استنكاري وقّعه 32 أديباً شاباً، استغربوا فيه «سياسة الإقصاء التي نهجتها وزارة الثقافة تجاه أدباء ونقّاد مغاربة لهم حضورهم الفعّال في المشهد الثقافي المغربي». وإذ يستنكر هؤلاء «غياب الشفافية والموضوعية في اختيار الأسماء المشاركة، ينبّهون إلى خطورة تبعات هذا التوجه على الوضع الثقافي في بلادنا». الطريف مرة أخرى هو أنّ من بين موقّعي البيان أسماءً مبرمجة في بعض ندوات المعرض.