strong>أحمد محسن
يقول المثل العربي القديم: «الحاجة أم الاختراع»، وهكذا تولد بعض الأشياء بغرابة شديدة! والمواطن اللبناني كونه في حالة طوارئ دائمة، يعيش المثل في تفاصيله الدقيقة. ومن «الاختراعات» القديمة التي لجأ اليها وطوّرها ولا يزال يستخدمها إلى يومنا هذا، «السلّة» التي تتدلّى من على شرفات الشقق السكنية في المدن وضواحيها، والتي تستخدم عوضاً عن نزول الطوابق الكثيرة لتسلّم أو تسليم غرض ما من دكّان مجاور أو من أحد الجيران. الفكرة قديمة وقد اضطرّ اللبنانيون إلى استعمالها، بسبب معاناتهم الدائمة من الانقطاع المتكرر للكهرباء. الدرج معتم جداً ونزوله متعب، اللبناني كسول بما يكفي لانتظار عودة المصعد الكهربائي إلى العمل، والكهرباء في غياب مستمر! بعض الناس يقطنون في طبقات مرتفعة ولا يسمح نشاطهم باستخدام الدرج، هذا إذا استثنينا كبار السن والمرضى الذين لا يناسبهم استخدام السلالم العادية بشكل متكرر. ولكن، ومع تطوّر الأيام، أُلحقت بهذه الظاهرة بعض الزوائد و«الأكسسوارات» التي من شأنها أن تساهم أكثر فأكثر في تسهيل متطلبات السكان اليومية.
فيما اقتصرت أدوات تلك الوسيلة، في بداية الأمر، على حبلٍ طويل وسلة من القشّ فقط تنزل فجأة من أعالي الشرفات بعد صيحة قوية إلى صاحب الدكان، زُوّدت السلّة بعدها بورقة صغيرة هي قائمة الحاجيات المطلوبة كي يطّلع البائع عليها ويقوم بالتبضّع على أساسها. واليوم دخلت التكنولوجيا إلى العملية تلك، فحلّ الـ Missed call إلى صاحب الدكّان محلّ النداء والصراخ كما بات عدد الـ Missed calls يحدد نوع الغرض وكميته. فالـ missed call الواحد هو إشارة النداء «للاستعداد»، أما الاثنان فقد يعنيان «خضراً»، والثلاثة «ربطة خبز»... إلى أن صار المشهد مألوفاً جداً في بعض الأحياء، سلة مربوطة بحبل، تتدلى نحو الأسفل، وبائع يجول بنظره إلى أعلى باحثاً عن صاحب الغرض وفي يده أكياس الحاجيات المطلوبة. ولكل منزلٍ سلته الخاصة، وألوانه الخاصة. البائعون لا ينزعجون إطلاقاً من الحالة، فهم يفضلون «أن يقوموا هم بالتبضّع عن ربّات المنازل ويضعوا بضاعتهم في سلة عوضاً عن بقائها على الرفوف». في الفترة الأخيرة ازداد انتشار المؤسسات التجارية الضخمة للتسوق والمعروفة بالـ mall، حاملةً معها تساؤل الكثيرين عن جدوى بقاء الدكاكين المتواضعة في الأحياء، وتعلّق اللبنانيين بهذا المظهر البسيط من التجارة. قد تكون ظاهرة «السلة» العتيدة إحدى الإجابات الممكنة عن سؤالٍ مشابه. ولكن مع توفّر خدمة الـ«توصيلة» أو delivery حتى للدواء، بات المستهلك يعيش حالة من الرفاهية وسهولة في الطلب، بهدف تسهيل التسويق والشراء. لعبة تريح الزبائن وتُدخل المحال التجارية في صر اع مع الوقت والسرعة في وتيرة الحياة اليومية. مع ذلك، لم تستطع كل تلك «الإغراءات»، بعد، القضاء على الدكاكين المنتشرة في المدن. ويبدو أنّ ظاهرة «السلّة» أيضاً لن تختفي قريباً ما دام انقطاع التيار الكهربائي مستمراً، وما دامت ربّات المنازل مزوّدات بهواتف خلوية تلبّي الحاجة في «وقت الحشرة».