لا بدّ لكل مادة قانونية من إطار تطبيقي. لكن وثيقة الإعلام العربي التي أُقِرّت أخيراً تفتقر إلى ما يوضح كيفية تحديد «المخالفة». حتى بعد تجاوز الكلمات الفضفاضة عن ضرورة ممارسة الحرية من خلال «الوعي والمسؤولية»، ليس هناك نطاق قانوني يحدد تطبيق اللوائح. يمكن اتخاذ برامج الـ«توك شو» مثالاً. إذا خالف أحد الضيوف خلال حديثه في برنامج ما قواعد الوثيقة، فهل يُلام البرنامج؟ هل تعاقب المحطة؟ هل يسحب الترخيص؟ أم أن تلك العقوبات يتحدد مجال تطبيقها فقط إذا خرجت «المخالفة» من فم أحد إعلاميي المحطة أو مسؤوليها؟من أجل هذا، تركت الوثيقة لكل بلد من الموقعين عليها أن يحدد أشكال تطبيقها. أي إن الإعلام العربي في انتظار غابة من التشريعات الإعلامية التي تُناسب مصالح كل سلطة عربية. هذه الأدغال التشريعية المتشابكة قد تحمل داخلها بذرة فنائها، لأنّ تعارضها وتناقضها المتوقعين، سيعملان في كل الاتجاهات وسيقننان الخلافات الإعلامية العربية، وهو ما قد يدفع في النهاية المحطات العربية إلى تأسيس مراكزها ومكاتبها وتسجيل شركاتها في أوروبا، وسيدفع الإعلاميين إلى تساؤل مشروع: هل ستنطبق تلك اللوائح الجديدة على الفضائيات ذات «الطبيعة الخاصة»، مثل «الحرة» الأميركية، وتلفزيون «بي بي سي» العربي المرتقب؟
لكنّ الوثيقة لم تخلُ من بند يحتوي إغراءً كبيراً لرجل الشارع. وهو ذلك الذي تناول حق المواطن العربي في مشاهدة البطولات الرياضية التي تكون بلاده طرفاً فيها، حتى لو كانت حقوق البث مباعة حصرياً لقناة بعينها (نعلم جميعاً أن المقصود شبكة «إي آر تي»). وهو بند يصعب تحقيقه، لأن اتفاقات البثّ الحصري توقع مع الاتحادات الرياضية الدولية التي لن تسمح بتفريغ اتفاقاتها التجارية من مضمونها. وإذا سمحت بذلك، فكم سيبدو موحياً وكوميدياً ألا يسمح للمواطن العربي بأن يرى من حقائق بلاده سوى مبارياتها الرياضية!