خليل صويلح
إلى أي حد يعبّر حوار ما، عن شخصية صاحبه؟ وما هي الأطياف التي تقود إلى أفكاره ونصوصه؟
كتاب «أطياف ممدوح عدوان: شهادة الحياة وشهادة الإبداع» (دار ممدوح عدوان ــــ دمشق) الذي حرّره محمد صابر عبيد، هو قراءة جدّية لاكتشاف مرايا الكاتب الراحل عبر خمسة حوارات منتخبة، أُجريت مع صاحب «تلويحة الأيدي المتعبة» في فترات متباعدة. تتكشف شخصية ممدوح عدوان في حواراته عن قدرٍ عالٍ من الحرص والانفعال والجرأة والقصدية والصدق، على النحو الذي يمكن اعتمادها بوصفها مفاتيح لهذه الشخصية الإشكالية التي «لا تخلو من عنف بطبيعتها».
ميل ممدوح عدوان إلى التمرد والرفض، لم يمنعه من أن يكون مخلصاً لبيئته القروية الأولى، وهو أظهر نوعاً من الانتماء المصيري لحرارة الحياة ودفقها، عن طريق رفد نصه بالفولكلور الشعبي والحكايات الشفوية والتراث العربي، وخصوصاً لجهة انشغالاته المسرحية والتلفزيونية: «سفر برلك»، و«الزير سالم»، و«المتنبي». كما كان يؤكد على الدوام ضرورة «زج الشاعر والقصيدة في فرن الحياة» ويستدرك: «لا أكتب إلا في مناخ صافٍ من الوضوح ونضج التجربة».
كما أن اتهام قصيدة ممدوح عدوان بالمباشرة والانخراط بالشأن السياسي لن يمنعه من القول: «قصيدتي السياسية ذاتية مثل كل قصائدي الأخرى». ورغم أنه كتب قصيدة النثر في أواخر حياته، إلا أن صاحب «حياة متناثرة» لا يجد أمثلة جيدة تدافع عن هذا النمط الشعري، عدا استثناءات بسيطة. ويشير متهكماً إلى أولئك الذين يلتقطون شعار «تفجير اللغة»، في الوقت الذي «يخطئون في الإملاء والقواعد، فيتحول تفجير اللغة إلى تهديم للغة ذاتها». ويرى أن الشعر الحقيقي هو «قيمة مؤجلة»، و«لا يستطيع الشعر إلا أن يكون في أزمة، وإلا توقف عن كونه شعراً».
ويكشف ممدوح عدوان أنه كان يرغب أن يكون ممثلاً، لكن والده منعه من تحقيق حلمه هذا، فدرس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، ولم يحقق رغبة والده بأن يدرس الحقوق. وصاحب «هاملت يستيقظ متأخراً» الذي ترك 90 كتاباً، في الشعر والمسرح والترجمة والرواية... يبرر هذا التجوال بين الأجناس الإبداعيّة بشهيته المفتوحة للكتابة... ويحكي عن تنظيم وقته بحيث «تبدو سبع ساعات من العمل يومياً، كأنها سبعين ساعة».
الحوارات الخمسة المنتقاة في هذا الكتاب لا تعبّر تماماً عن شخصية الشاعر، وخصوصاً أن حوارات مهمة أُجريت معه قبيل رحيله غير موجودة في الكتاب، لكنّها ــــ في نهاية المطاف ــــ تمنح القارئ «صورة قلمية» لشاعر ظل يدافع عن الجنون إلى آخر لحظة من حياته.