علاء اليوسفي
كان أمس يوماً إعلامياً، أفردت له القنوات اللبنانية والمحطات الإخبارية العربية شاشاتها منذ الصباح. يومٌ بدأ من ساحة الشهداء قبل الظهر، ثم انتقل إلى مجمع سيّد الشهداء في الضاحية الجنوبية.
هذه المرّة أيضاً غلبت لغة الأرقام على كل شيء. منذ الصباح الباكر، توقّعت مذيعة «أخبار المستقبل» جويل فضول توافد «مليون ونصف مليون من اللبنانيين الحقيقيين» إلى ساحة الشهداء. ويبدو أنّه كانت هناك نية مسبقة بتسويق هذا الرقم، بدليل ما أكّده عريف احتفال ساحة الشهداء جورج بكاسيني الذي اعتلى المنبر عند الواحدة إلا خمس دقائق ليزفَّ إلى الجمهور خبراً أوردته إحدى الوكالات عن وجود أكثر من مليون في الساحة ونصف مليون ما زالوا في الطرقات المؤدية إلى وسط البلد!
بعيداً من لغة الأرقام، سقط الصحافيون والمراسلون مرةً أخرى في لغة الطائفية وإحلالها بديلاً من الخطاب السياسي. نسمعُ وليد عبود على LBC يقول: «ها نحن نسمع الشاعر طلال حيدر، البعلبكي الشيعي يخطب في الجماهير التي أتت إلى ساحة الشهداء تحت الطقس العاصف». فيما لفتت دنيز رحمة إلى أن المشاركة كثيفة من الطائفة السنية، خصوصاً من الشمال، وكذلك من الطائفتين الدرزية والمسيحية. الكاميرا بدورها اتجهت صوب لافتات كُتب عليها «زغرتا لن تكون ممراً للتطاول على الكنيسة». أما جورج بكاسيني فوصلت به الحماسة إلى التعريف بجعجع على أنّه «الآتي من بشري، بلاد أرز الرب، يمهل ولا يهمل»!
وأمام الحشد الهائل الذي لم تتّسع له الساحة، حيث اضطر المشاركون إلى امتطاء نصب الشهداء مصرّين على أن يشاركوا في الـ«أعراس وطنية» ومظاهر «الابتهاج» (رقص) لإحياء الذكرى، و«فرحة» الوفاء للرئيس الشهيد... فاضت الحماسة عن قناتي «المستقبل» و«أل بي سي»، إذ ردد نديم قطيش أكثر من مرة على «أخبار المستقبل» أن المشاركين تدفقوا، على رغم الطقس والتهويل والحديث عن المجازر التي ستصيب اللبنانيين إذا نزلوا إلى ساحة الشهداء، قبل أن يفيد بأن «نقل المشاعر والوقائع يجعلنا نتحمس للمشاركة»، متناسياً أنه صحافي. ثم توّجه إلى ضيفه في الاستديو، قائلاً: «نحنا منعرف إنه أنت متحمس للنزول، ونحن معتقلينك بالاستديو هون. على كل حال إنت من أهل البيت». ليعلّق بعد ذلك أن «البوصلة هي نحو ساحة الشهداء التي تكاد تكون الوجهة الوحيدة في لبنان»، مغيباً وقناة «المستقبل» أي كلام عن الشهيد عماد مغنية.
أما في المؤسسة اللبنانية للإرسال، فقد كانت دنيز رحمة تؤكد لزميلها أن المشاركين تحدّوا الظروف الطبيعة وأصرّوا على المشاركة: «نعم يزبك لقد أتوا تحت المطر». فيما لاحظت تانيا مهنا أن المواطنين أتوا في سيارات مكشوفة وفتحوا الصناديق متحدّين الأمطار، ليسألها يزبك وهبي: «هل يعني ذلك إصراراً على المشاركة؟». أما وليد عبود فقال: «وصلت عشرات الاتصالات التي تؤكد أن عشرات الآلاف من المواطنين لم يستطيعوا النزول إلى ساحة الشهداء بسبب حالة الطقس». فيما كان شريط الأخبار على «المستقبل» يعرض خبر «آلاف اللبنانيين يتوّجهون بحراً عبر الزوارق إلى بيروت».
على «المستقبل» أيضاً، قدّمت صباحاً حلقة خاصة من «أخبار الصباح»، تخللتها مجموعة تقارير عن الرئيس الشهيد، ونقل مباشر للمواكب السيارة «الحاشدة» من منطقة الشمال. وبينما غابت «المنار» عن وسط البلد لتتفرّغ إلى مناسبة التشييع، واقتصر بثّ «المستقبل» على نقل وقائع الاحتفال بذكرى استشهاد الحريري، ثم نقل «أخبار المستقبل» لخطاب نصر الله، عمدت «الجديد» و«أن بي أن» على تقسيم الشاشة بين مجمع سيد الشهداء في الرويس، وساحة الشهداء. أما OTV فقد خصصت الفقرة الصباحية لعيد الحب، ثم استقبلت خلال الفقرة السياسية وئام وهاب، قبل أن تنطلق متأخرة إلى ساحة الشهداء.
وعلى عكس «العربية» التي ركّزت على «الساحة المكتظّة»، وتبنت رقم المليون ونصف المليون الذي أوردته وكالة «أ ف ب» من دون أن تبثّ مراسم التشييع أو تفرد مساحة للحديث عن دلالاته وتداعياته... كانت «الجزيرة» تقسّم شاشتها بين الضاحية الجنوبية وساحة الشهداء، مشدّدة على حدث اغتيال عماد مغنية. هكذا، وعندما كان نسيب لحّود يخطب في ساحة الشهداء، وكان الرئيس السنيورة يقرأ الفاتحة عند الضريح، وضعت «الجزيرة» الصورة فقط. أما الصوت فقد كان آتياً من النصف الآخر من الشاشة حيث ما شاء الله شمس الواعظين من إيران يتحدث عن تداعيات اغتيال مغنية.
وبينما عادت «العربية» إلى برامجها المعتادة فور انتهاء «حفل الشتائم» واكتفت ببثّ الخطاب المباشر لنصر الله خلال نشرتها الإخبارية لاحقاً، تابعت «الجزيرة» باهتمام وقائع التشييع واستضافت عدداً من المعلّقين للحديث عن المناسبة.