بيار أبي صعب
تعود إلى زيارته بعد كل هذه السنوات في الدار البيضاء، فتشعر أن الزمن لم يتغيّر. الطيب الصديقي يشبه صورته بشكل مدهش. البيت الذي رسمه بنفسه في الثمانينات، ما زال على حاله. الأولاد كبروا، أمينة رفيقة الدرب كما كانت دائماً. صار هناك كلاب كثيرة تحوم حول البيت. وصوت التلفزيون يسحق الصمت، لكن المحطات تتقلب على شاشته بسرعة مذهلة. هذا الجهاز له وظيفة واحدة: أن يحدد إيقاع المَشاهد. فهل ننسى أن الطيّب في عرض دائم؟
على الجدران مئات الوجوه، تختصر زمناً صاخباً عاشه الصديقي حتّى الثمالة، كاتباً تاريخ المسرح المغربي والعربي. حين يطلّ بالـ«روب» الأحمر على عتبة الدار المرتفعة، تشعر أنّه على الخشبة. صاحب اللحية الشهيرة والشعر الطويل كالعرّافين والأنبياء والرواة و«الحليقيّة» والمشعوذين، بجسده الضخم لا يمكن إلا أن يذكّرك بشخصيّة Falstaff الشكسبيريّة. فالستاف أورسون ويلز، أكثر منه فالستاف فيردي. أنكره صديقه القديم هال، شريك العربدة والليالي الملاح، ما إن اعتلى عرش إنكلترا خلفاً لوالده هنري الرابع. وبقي وحده، يفترسه الفقر والغمّ، في حانة مستر كويكلي.
ينظر الصديقي إلى الأشياء بسخرية ومرارة... يلعب على الكلمات، بمهارة مذهلة. بين كأسين يستحضر الزمن السعيد. على دفتر لصق صور أبنائه، وعلى الآخر صور الأصدقاء. إنّه يستعد لتقديم اقتباس لمسرحيّة يونسكو الشهيرة «الكراسي». ويواصل معركته الدونكيشوتيّة: بناء مسرحه الضخم على 3000 متر مربّع: «موغادور» على اسم مدينة الصويرة التي أبصر فيها النور (1937). لم يتوقف الصديقي منذ عام 1954: من «المسرح العمالي» إلى «المسرح الجوّال»، ومن «ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب» (1967) إلى «الإمتاع والمؤانسة» (1987) والقائمة تطول. اليوم يريد أن يترك للأجيال المقبلة مسرحاً متعدد الفضاءات والمشاغل، فيه أرشيفه وتاريخه: تاريخ المغرب الحديث. اليوم خمر، وغداً أمر
كأسك عمّي الطيّب!.