محمد رضا
عاموس كوليك (1947) هو ابن محافظ مدينة القدس السابق تيدي كوليك. وقد حقّق المخرج فيلماً عنه بعنوان «تيدي كوليك: من فيينا إلى القدس» في عام 1995، أي قبل أن يغادر إسرائيل لينتقل إلى نيويورك حيث يقيم ويعمل... ويصنع أفلاماً تعاني دائماً معضلة واحدة: عاموس كوليك! هذا الرجل يكتب بنفسه سيناريوهات أفلامه بينما تكمن نقطة ضعفه في أنّ خياله ضيّق وفكرة أفلامه غير واضحة المعالم تأتي دوماً مشوّشة.
قصّة «قلق» الذي شارك في المسابقة الرسمية في «مهرجان برلين السينمائي» هذا العام وخرج خالي الوفاض، هي مثال لذلك. وقد استوحى المخرج فكرة شريطه من علاقته المتوتّرة والمضطربة مع والده.
يبدأ الفيلم بلقطات سريعة لرجل يتعرّض للضرب. هذا الرجل هو بطل الفيلم ويُدعى موشي (موشي إفغي). لكنّ الضرب تحت عين كاميرا التي تكاد تشارك فيه بسبب اقترابها مما يحدث، هو مجرد تقديم انفعالي لحالة رجل ليس لديه الكثير ليدافع عنه أو يخسره: شاعر وسكّير ومنحلّ وغير متديّن ينوء تحت أعباء الحياة وبعض الديون (سبب تعرّضه للضرب) ولديه ابن لا يزال يعيش في إسرائيل قنّاصاً في الجيش.
سيتنقّل الفيلم بمعظمه بين نيويورك حيث هاجر الأب وإسرائيل حيث يعيش ابنه، إلى أن يأتي الوقت الذي يصل فيه هذا الابن إلى نيويورك وقد مضى عليه أكثر من عشرين سنة لم ير فيها وجه والده. لكن قبل وصوله، نكون قد شاهدنا الابن في إسرائيل وهو يقتل تارةً رجلاً فلسطينياً خرج يلتقط لعبة ابنته من حديقة البيت وطوراً صبياً فلسطينياً كان يلعب الكرة. القتل الثاني ليس مقصوداً لكنّه قتل على أي حال. حتى القيادة الإسرائيلية (حسب الفيلم!) تشمئز منه وتفصله. وهذه طريقة «مواربة» أخرى في إمرار المخرج مواقفه.
في هذا الحين، نشاهد موشي وهو يتحيّن كل فرصة ممكنة له، خصوصاً عندما نشاهده يقف على منصّة في حانة يشرب فيها مجّاناً ليخبر الرواد من اليهود (بمن فيهم رئيس وحدة عسكرية شاركت في الحرب ويعمل الآن في جهاز أمني في نيويورك) عن خيبة أمله من إسرائيل التي لم تعرف بعد ماذا تريد أن تصنع بنفسها وكيف أنها تضيّع فرص السلام.
ما يختاره المخرج من كلمات على لسان موشي يبقى مبهماً مثل موقفه منه ومن القضايا بجملتها. وموشي بالتأكيد يعبّر عن موقف المخرج لكنّ المخرج هو الذي يتصرّف بحذر ولا يُبرز معالم شخصيّته إلى الحدّ الذي يجعل شخصية بطله واضحة لمشاهديه. وبدلاً من ذلك، يعمد إلى تمييع موقفه النقدي واستبعاد لوم القيادة لسياستها بل استبعاد القضيّة الفلسطينية برمّتها من تلك المناسبات القليلة التي كان يمكن فيها الحديث عنها بمناسبة الحديث عن المجنّد القاتل.
في تاريخ السينما الحديث، هناك سينمائي واحد لم يعوّض بعد، مات قبل سنوات وكان الأخبر في كيفية نقل جو نيويوركي ليلي ونهاري مع اقتصاد في الكاميرا وفي الإنتاج والإفادة المطلقة من حس المدينة الخاص. إنّه جون كاسافيتس. صحيح أنّ عاموس يذكّر به... لكن عن طريق المحاكاة الصناعية لا بسبب موهبة طبيعية وأساسية لديه.