منار ديب
إنه «أبو عصام» الذي ملأ الدنيا في «باب الحارة» و«أبو جندل» الذي قاوم المحتلّ الإسرائيلي في «الاجتياح»، و«أبو جعفر المنصور» الذي بنى مدينة بغداد... عبّاس النوري يبدأ اليوم تصوير مسلسل شامي بعنوان «أولاد القيمرية»، في انتظار أن تفرج الرقابة السورية عن عمله الجريء «ممرّات ضيقة»


ينتظر عباس النوري بدء تصوير الجزء الثالث من مسلسل «باب الحارة» مع المخرج بسام الملّا الشهر المقبل. وتنتج هذا الجزء قناة mbc، بعدما قدّمت شركة «عاج» السورية جزأيه الأولين.
في هذه الأثناء، ينهمك النوري بعمل بيئي جديد هو «أولاد القيمرية» من إنتاج «أوربت».والمسلسل مقتبس عن قصّة كتبتها زوجته عنود خالد، فيما وضع هو السيناريو والحوار، بالاشتراك مع حافظ قرقوط، أما الإخراج فلسيف الدين سبيعي.
لكن الحديث دار سابقاً عن نيّة عبّاس النوري إخراج «أولاد القيمرية»، فيقول: «كان المشروع من إخراجي، لكنّنا تراجعنا بتأثير من المخرج هيثم حقي (المشرف الفنّي، ومدير الإنتاج الدرامي في «أوربت»)، لأنه يريدني ممثلاً. رغبتي بالإخراج ما زالت تلحّ عليّ، لكنّ الممثّل داخلي يسرقني، وخصوصاً أنني في التمثيل أطلُّ في أكثر من عمل، أما إذا كنت مخرجاً لعمل ما، فسيستحيل التنسيق مع بقية الأعمال».
وهذه الأعمال هي الجزء الثاني من المسلسل البيئي التاريخي «الحصرم الشامي» مع سيف الدين سبيعي أيضاً، والدراما الاجتماعية المعاصرة «ليس سراباً» مع مثنى صبح، والمسلسل التاريخي «أبو جعفر المنصور» مع شوقي الماجري.
فماذا يخبرنا عن هذه المسلسلات؟ يتحدّث النوري بحماسة عن «أبو جعفر المنصور» قائلاً: «هو من إنتاج «المركز العربي في الأردن»، وكان يجب أن يعرض في رمضان الماضي، لكنّ ظروفاً ما حالت دون إنهائه، علماً بأن المسلسل وصل اليوم إلى مراحله الأخيرة. وفيه، يدخل «أبو عصام» الدراما التاريخية بدور بطولة مع مخرج قدير: «كلّ عمل يحمل شكلاً جديداً من التعبير، وهذه التجربة تحملُ بالنسبة إليّ أكثر من وجه. قد أبدو متطرفاً في موقفي من الأعمال التاريخية، وقد أبدو ضدّها لأنّها لا تقدّم الحقيقة، ولا تجرؤ على قراءة التاريخ كما هو. أعتقد بأنّ نجاح أي عمل تاريخي مرهون بقراءة جريئة. فلماذا هناك دائماً تابوهات على الشخصيات التاريخية؟». ويرى أنّ «هذا العمل سيثير نقاشاً، لأنه يقدّم شخصية إشكالية، «أبو جعفر المنصور»، مؤسس بغداد».
صحيح أنّ عبّاس النوري هو ابن حارة دمشقية قديمة، لكنّ مسيرته الفنّية لم تتقاطع مع الأعمال البيئية إلا فحديثاً. فما الذي قاده إلى هذه المسلسلات التي صنعت نجوميته؟ يجيب: «مع «أيام شامية» (1992)، بدأ مشروع المخرج بسام الملا ينضج، فذهب في هذا الاتجاه. أما بالنسبة إليّ، فلم أعتقد يوماً أن هذا المشروع هو مشروعي الشخصي، كنتُ ممثلاً فيه لا أكثر ولا أقل. لذا، يبدو الوضع مختلفاً مع «أولاد القيمرية»، فهو مسلسل مبني أصلاً على حوادث حقيقية وأقرب إلى الوثيقة».
وهل يتبنّى النوري المقولات التقليدية لـ «باب الحارة»؟ «قد أوافق على الكثير من الانتقادات، وقد أتبنى وجهات نظر غير ما هو وارد في النص. ليس مطلوباً مني أنا الممثل أن أؤمن بكل ما أتى في المسلسل، فأنا أقدم شيئاً محدداً، شخصية معينة بتركيبتها ومقولتها. أما عن العمل كلّه، فلستُ مسؤولاً إلا إذا كنت مخرجاً. ومن هنا، أتمنّى أن آخذ فرصتي في الإخراج حتى أعلن موقفي وأتحمل مسؤولية رأيي». ويضيف شارحاً: «لديّ اقتناعاتي التي تختلف عن العمل، لكن الاعتراض على «باب الحارة» كان قاسياً إلى حد بعيد. علينا أن نكون صادقين في رؤية واقعنا».
ويعتقد النجم السوري أنّ جماهيرية المسلسل هي معيار مهم لا ينبغي الاستخفاف به: «الفن في النهاية بضاعة، عندما تنفد فهذا يعني أنها رائجة».
لكن ما سرّ جماهيرية «باب الحارة»؟ «لا أستطيع أن أشرح هذه الأسباب لأنني معنيّ بهذا النجاح الذي يصعب التعبير عنه. ويجب أن يقرأه مثقفون ونقاد حقيقيون. هناك من رأى أنّه عودة إلى الصلات الرحيمة والبسيطة والعلاقات الدافئة بين الناس، في الوقت الذي دخلت على المجتمع العربي تأثيرات العولمة من تكنولوجيا وفضائيات».
ويتابع شارحاً: «فاجأتني هذه الجماهيرية، علماً بأنني قدمت مع «باب الحارة» عملين اراهما أكثر أهمية «الاجتياح» و«الحصرم الشامي». وهذا الأخير لم يدخل المنافسة لأنه بثّ مشفّراً، أما «الاجتياح» فدخل المنافسة عبر قناة ليست على ذلك القدر من الأهمية (الفضائية اللبنانية)».
قدّم «الحصرم الشامي» رؤية تكاد تكون مناقضة لـ«باب الحارة»... ألم يشعر عبّاس النوري بالمفارقة، لكونه قدّم العملين في الموسم نفسه؟ «أنا ميال إلى تقديم صورة عن الشام، أقرب ما تكون إلى الحقيقة. وأعتقد أن طريقة بسام الملا في رؤية أعماله، هي أن يرى النصف الملآن من الكأس».
وبعيداً من البيئة الدمشقية، دارت أحداث مسلسل «الاجتياح» الذي يعاد عرضه على فضائية LBC، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية... لكنّ حمّى «باب الحارة» جعلت هذا العمل لا يحظى بمشاهدة كبيرة، رغم أن النوري قدّم فيه واحداً من أجمل أدوراه. فماذا يقول عن ذلك؟ «أنا حزين لأن «الاجتياح» لم يأخذ فرصته، فهو عمل يقدم صورة حقيقة عن واقع وتاريخ قريبين. وأنا أديتُ شخصية من لحم ودم، هو شهيد حقيقي، «أبو جندل». وكنت أخشى من الانطباع الذي سأكوِّنه عند أولاده... أتعلم، كانت المرة الأولى التي لا أخشى فيها من المشاهد العربي، بل من أشخاص معيّنين». هنا، تتغيّر نبرة صوته وهو يتحدّث عن هذه الشخصية: «أحببتُ «أبو جندل»، شخص عادي لا يحمل أفكار تنظيم معين ويحارب من أجلها، بقدر ما كان مقاوماً يبحث عن أرضه التي سُلبت. لذا، كان يريد لأولاده أن يعيشوا على مساحة صغيرة من الكرامة المتاحة، شأن الشعب الفلسطيني. وأنا أتّهم السياسة الإعلامية العربية بتجاهله، ويبدو أن هذا العمل كان خارج المزاج الرمضاني».
عباس النوري الذي كان نجم 2007 بلا منازع، يعرب عن سعادته بما قدمه العام الماضي. لكنه يذّكر بدور مهم لم تتح للمشاهدين رؤيته: «قدمت شخصية لم تبصر النور، لأن العمل لم يعرض، ولا أعرف السبب. وهو عمل اجتماعي جميل بعنوان «ممرات ضيقة»، للكاتب فؤاد حميرة والمخرج محمد الشيخ نجيب... إنّه مسلسل جريء، يقرأ واقع شريحة من المجتمع، في سجن النساء، وأؤدي فيه دوراً محورياً. أنا هنا رجل يعمل في الخارج، وزوجته تشعر بالفراغ العاطفي فتخونه. يشعر بإهانة شديدة، وهو رجل من العامة وليس متعلماً، فيبدأ بالشك إن كان أولاده من صلبه».
«ممرات ضيقة» لم تجزه للعرض رقابة التلفزيون السوري، أسوة بـ«الحصرم الشامي». وهنا يقول النوري: «الرقابة بحاجة إلى جرعة من الجرأة، لتوازينا قليلاً، ويجب ألا تعاملنا كما يعامل الأب ابنه بـ«شدة أذن». أنا ضد الرقابة عموماً، علينا أن نصل إلى مرحلة يستطيع فيها الفنان أن يكون رقيب نفسه. الفنان دون جرأة ليس فناناً، وكلّ الرقباء العرب موظفون، يخشون على رواتبهم، لا على الأعمال التي يشاهدونها».



أمّ الدنيا... ولكن

بدأ عباس النوري حياته الفنّية ممثلاً في المسرح الجامعي، قبل افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية. لكنه، مذ دخل مجال العمل التلفزيوني مبكراً، ابتعد عن المسرح... فهل يشعر بالحنين إلى الخشبة؟ «أفتقد المسرح لأنّه خزان القوة الحقيقي لعملي في التمثيل، لكن لا تتوافر فيه شروط العمل المناسبة، مادياً وعلى كل الأصعدة».
وهناك تجربة شبه مسرحية شارك فيها النوري أخيراً، لكنه يتحدث عنها بشعور من الخيبة: «قدمت قطعة صغيرة مع عدد من الفنانين على مسرح الأوبرا، في مناسبة افتتاح احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، وهو من إخراج نائلة الأطرش، وقد استقدموا خبراء أجانب حصلوا على أجورهم بالدولار. أما نحن فلم يقل لنا أحد «يعطيكن العافية». لم يكن عندنا مانع في أن نقدم هذا العمل هدية لدمشق، لكن المنظمين لم يوضحوا لنا ما هي الصيغة... وهذه تجربة ومثال»!
سينمائياً، كان لعبّاس النوري عدد من التجارب المبكرة، لكنه لا يحبّ التوقف عندها: «أعمالي السينمائية مجرّد تجارب أدخلتني هذا العالم وعلمتني ما هي السينما. لذا، لا أعدّها شيئاً في رصيدي».
لكن نجومية عباس النوري تجعل من السينما خطوة ضرورية في مسيرة نجاحه؟ «أحلم بالعمل السينمائي، لكنني خارج عقول المخرجين السوريين، وهي عقول في معظمها مؤممة. لا أُمانع العمل في فيلم عربي، إذا جاءني عرض يلبّي شروطي. لكن لا أريد أن أدخل في تاريخي شيئاً لا أجيده، وأنا الآن مكتفٍ بالثوب الذي أرتديه».
يذكر أخيراً أن النوري أطلّ مساء الجمعة الماضي مع زميله سامر المصري («أبو شهاب» في «باب الحارة»)، في برنامج «العرّاب» على mbc. في الحلقة، كرّم الفنان رفيق السبيعي (أبو صياح»)، وتحدّت النوري عن تصريحاته الصحافية السابقة التي هاجمت هجرة الممثلين السوريين إلى القاهرة. وأكد أنه يرى مصر أم الدنيا لكنها ليست القبة الوحيدة في العالم العربي، وأنه مع التجربة الفنية العربية وليس فقط مصر بالتحديد، مشيراً إلى خشيته على الممثلين السوريين من «التمصّر». كذلك انتقد الخطاب السياسي اللبناني الذي يلقي الاتهامات على سوريا جزافاً، مطالباً بقانون دولي يحمي بلده، لأن لـ«الدول مقامات» أيضاً.