بيار أبي صعب
ألان روب غرييه: الفضيحة الأخيرة


«مات ألان روب غرييه هذا الاثنين، في الخامسة والثمانين. انطفأ مثل عجوز حقير، على صورة حياته، الخاصة والأدبيّة، بعد أشهر من نشر كتابه الأكثر إثارة للجدل والنفور. «رواية عاطفيّة» (2007) ليس سوى نشيد فاضح يمجّد الجنس والعنف والبيدوفيليا، من دون أي حرج»! هكذا «رثى» ناقد «الإكسبريس» إريك متوت بعض ظهر أمس، أحد كبار الأدب الفرنسي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، في مقالة نشرت على موقع المجلّة الباريسيّة المعروفة، فور إعلان نبأ رحيل صاحب «الغيرة» (1957) في أحد مستشفيات مدينة Caen الفرنسية.
ولا عجب. فالرجل ذو القامة الفارعة واللحية البيضاء والنظرة المسنّنة، لم يكن ليُفاجأ بهذا التقذيع يوم رحيله، وهو الذي عوّدنا على صدم معاصريه، وإثارة شهقات الاستنكار لدى أصحاب الذوق المحافظ... حتى صار أدبه صنواً للفضيحة، على المستويين الأدبي والأخلاقي. فالكاتب الذي عُدَّ بطريرك «الرواية الجديدة»، سبق مارغريت دوراس وكلود سيمون وناتالي ساروت... إلى إعلان الحرب على الإرث البلزاكي، نسبة إلى رائد الطبيعيّة المعروف. منذ الخمسينيات، بعد روايته الأولى «راجم الملوك» (1949) التي رفضتها «دار غاليمار»، ثم «المتلصص» (1955) التي أصدرها جيروم ليندون عن «منشورات مينوي» واستقبلتها جريدة «لو موند» بالشتائم، أعلن القطيعة مع الأدب السائد، وقوالب السرد التقليدي، مخترعاً مستويات زمنيّة وسرديّة متقاطعة، تترك للغة أن تذهب إلى أقصى احتمالات اللعب والعبث والمتعة، لتشييد عالم من الوقائع الحسيّة التي تجد جذورها في لاوعي المتلقي. صار السرد بطل الرواية التي يتماهى فيها الكاتب مع النصّ. كل ذلك نظّر له لاحقاً في كتابه المانيفستو «من أجل رواية جديدة» (1963).
وجاء عالم روب غرييه الأدبي حافلاً بالتهويمات الإباحيّة والهلوسات الماجنة التي تتخذ من الجنس ديكوراً دائماً، ومن الرغبة وقوداً إبداعياً («الانزلاق التدريجي للرغبة» عنوان فيلم حققه عام 1974). إنّه اللعب بمعناه السادو ـــــ مازوشي، فوق مسرح مظلم من الغرائز والأهواء، ينتصب ضدّ نظام القيم السائدة، عصياناً جمالياً وتمرّداً سياسياً ووجودياً. وليس من قبيل المصادفة أن يكون جورج باتي وجان بولان من أوائل المدافعين عن روب غرييه، إلى جانب موريس بلانشو ورولان بارت.
لعلّ هذا المهندس الزراعي المولود عام 1922، هو الكاتب الفرنسي الأشهر في العالم (الولايات المتحدة تحديداً)، والمكروه بامتياز في بلاده. كان أحد الموقعين على «بيان الـ 121» ضد حرب الجزائر في عام 1961 الذي كتب فيه فيلم ألان رينيه الشهير بعنوان «العام الماضي في مارينباد». كتب منذ الثمانينيات أكثر من رواية أوتوبيوغرافيّة متخيّلة، من «المرآة التي تعود» (1985) إلى «آخر أيّام قورنثيا» (1994). وأمضى سنواته الأخيرة مدرساً في جامعات نيويورك وواشنطن. وآخر فضائحه كانت انتخابه عضواً في «الأكاديميّة الفرنسيّة» عام 2004، إذ رفض أن يلبس البذلة الخضراء ويحمل السيف... ويلقي خطاب التحيّة لسلفه الراحل في هذا المقعد موريس ريمس. ولم يجتمع يوماً بأقرانه «الخالدين» تحت القبّة الشهيرة.