القاهرة ـــ محمد شعير
«لا يوجد مثقف مصري من جيلي إلا ويدين لهذا الرجل»، هكذا علّق الروائي جمال الغيطاني على نبأ رحيل سهيل إدريس الذي سرعان ما ألقى بظلاله على جلسات «الملتقى الرابع للرواية العربية» المنعقد في القاهرة.
الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قال إن رحيل إدريس «صدمة شخصية... لم يكن مجرد كاتب لبناني. هو أدى دوراً متميزاً في الثقافة العربية، لا بصفته رئيساً لتحرير «الآداب» فقط، بل أيضاً بصفته روائياً متميزاً، شُغِلَ بالقضايا الأساسية نفسها التي شُغلنا بها نحن: علاقتنا بالغرب، وعلاقتنا بالتراث. والذين قرأوا «الحي اللاتيني» يعرفون أنّه قدّم للرواية العربية إضافةً حقيقيةً، وكانت حلقة في طريق بدأه توفيق الحكيم ويحيى حقّي وطه حسين. وقد أدى هذا الدور باعتباره أيضاً صاحب مشروع ثقافي هو «الآداب» التي كانت علامة أساسية في طريق النهضة. وقد ظهرت في بيروت في العام الذي احتجبت فيه مجلات «الرسالة» للزيات، فحملت الشعلة قبل أن تسقط، وواصلت التقدم بها. وعلى صفحات «الآداب»، انتصرت حركة تجديد الشعر العربي، والتقى جيل من الكتّاب المصريين واللبنانيين والسوريين والعراقيين، ووجدت العروبة والتقدمية منبرها الذي جلجل فيه صوتها طوال الخمسينيات والستينات». ويضيف حجازي: «قصائدي الأولى نشرتها في «الآداب»، كما أنّ جيلنا الأدبي برمّته يدين لإدريس بالفضل، لقد نشر الديوان الأول لصلاح عبد الصبور والكتاب الأول لرجاء النقاش ولأمل دنقل». ويضيف حجازي: «كان سهيل أيضاً صاحب موقف. هذا الموقف كان تعبيراً عن فكرة العروبة. فقد كانت في لبنان مؤسسات أخرى تنحاز لتيارات فكرية وسياسية مختلفة تتحدث إما عن القومية السورية أو عن علاقة لبنان بالثقافة الأوروبية أكثر من علاقتها بالثقافة العربية. ظهر سهيل ليمثّل التيار الآخر الذى يحقق التوازن». ويستكمل حجازي «مواقف» إدريس: «عندما فصلني السادات من عملي الصحافي عام 1973، دافع سهيل عنا في «اتحاد الكتّاب العرب». هكذا، يمكن أن أرصد له عشرات المواقف. الدور الذي أداه سهيل يحيي ذاكرته ويضمن له حياةً باقيةً».
الدكتور جابر عصفور اعتبر ادريس «رمزاً ساطعاً من رموز الاتجاه القومي» ويتذكر: «نشرت كل مقالاتي الأولى في «الآداب»». أما الروائي بهاء طاهر فتأثر عندما عرف بخبر رحيل ادريس. «مجلّة «الآداب» كانت المتنفس الوحيد المتاح لنا طوال الخمسينيات والستينيات، عرّفتنا إلى كل التيارات الجديدة في الغرب. وتبلورت فيها كلّ التيارات الجديدة في الأدب العربي».
الروائي إدوار الخراط تحدّث بحزن عن رحيل إدريس والدور الذي أدته المجلة و«دار الآداب»: «لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي أدته المجلة بالتزامها أفكار القومية العربية وأطروحاتها، والتعريف بأهم التيارات الأدبية والفلسفية الفرنسية مثل الوجودية. و«الآداب» أتاحت مناخاً ديناميكياً تهبّ فيه رياح التجديد، بل التجريب والمغامرة في وجه الجمود السلفي وضيق الأفق التقليدي».
بعدما استوعب جمال الغيطاني مفاجأة الرحيل، أضاف: «كان النشر في «الآداب» بمثابة ميلاد لظهور أديب جديد نظراً إلى صدقية المجلة. لا يمكنني نسيان الفرح الذي انتابني يوم نُشرت فيها قصتي الأولى «رسالة فتاة من الشمال»عام 1964» ويضيف: « لقد أقدم ادريس على نشر «أولاد حارتنا» بعد مصادرتها. وهذا ما لم ينسه له نجيب محفوظ حتى رحيله».
الروائي محمد البساطي يضيف قيمةً أخرى تركها إدريس: «عبر «الآداب»، تعرفت إلى أدباء العربية كفؤاد التكرلي وزكريا تامر وكل أبناء جيلي في بلدان عربية أخرى».
أما الروائي خيري شلبي فرأى أنّ الدور الذي أداه إدريس خطير. إذ صدرت «الآداب» في لحظة تاريخية وجمعت النخب الثقافية من الوطن العربي، فاعتُبرت «الحضن الأول الذي احتوى بواكير تجربة التجديد في الشعر العربي الحديث والقصة العربية».