بلفاست ـــ «الأخبار»
31 هو عدد الانفجارات التي ضربت فندق «أوروبا» في مدينة بلفاست خلال الحرب التي دامت 30 سنة بين الجمهوريين الكاثوليك والوحدويين الإنجيليين في إيرلندا الشمالية. إضافة إلى 250 إنذارا بوجود عبوة ناسفة بين 1991 و1993! مثَّل موقع أوتيل «أوروبا» في وسط المدينة وتحوّله إلى مقرّ للصحافة العالمية هدفاً جذّاباً لـ«الجيش الجمهوري الإيرلندي»، وبالتالي كان وقع الانفجارات فيه بمثابة رسالة إلى العالم لعرض قوّة وغضب الجيش الجمهوري الإيرلندي الثوري المكافح لسيطرة الوحدويين الإنجيليين المدعومين من الحكومة المركزية في لندن. «كان عناصر من الجيش الجمهوري الإيرلندي يتّصلون بالفندق ويعلمون المجيب بوجود عبوة ناسفة، وذلك لحرصهم على إحداث ضجّة إعلامية كبيرة دون إراقة دماء». هكذا يروي الـ«كونسيارج» القديم في الفندق مارتن مولهولاند، الذي يعمل هناك منذ 25 سنة: «كان الاتصال يَرِدُ عادةً قبل 40 دقيقة، لكن مع تطوّر قدرات خبراء المتفجرات على تفكيك العبوات، غيّر الجمهوريون التوقيت الى 20 دقيقة قبل الانفجار».
ومنذ الانفجار الاوّل مطلع السبعينيات، تحوّل «أوروبا» حصرياً إلى شبه مقرّ للصحافة المحلية والعالمية، فصار العديد منهم يغطون أخبار الحرب من الطوابق العالية في الفندق ويغادرونه لساعات لحظة الإبلاغ عن التهديدات. مدير الفندق هاربر براون أصرّ على عدم إغلاق الفندق رغم التفجيرات، فرفع شعار: «نحن لا نغلق أبوابنا». وفي إحدى المرات حمل براون صندوقاً كان يحتوي على متفجّرة من داخل قاعة الاستقبال حيث عثر عليها الموظفون الى رصيف الشارع المقابل للفندق فعاد بها أحد الإرهابيين ووضعها في قاعة الاستقبال من جديد. لكن براون لم يتراجع، فحمل الصندوق المتفجّر مرّة ثانية وخرج به إلى الشارع، ثم عاد إلى الفندق، وما كادت تمر دقائق حتى دوّى انفجار كبير في الخارج. وفي مرّة أخرى، انفجرت إحدى العبوات في خزّانات المياه في أعلى المبنى، فاقتحمت المياه الغرف والمطاعم والممرات. لكن الفندق لم يغلق أبوابه، وأمر هاربر براون بتقديم المشروبات الروحية لنزلاء الفندق في البار الذين حملوا الشماسي للوقاية من المياه التي كانت تتساقط من الجدران والسقف جراء الانفجار. وعندما أضربت النقابات عن العمل وانقطعت الكهرباء في كلّ أرجاء مدينة بلفاست، بقي «أوروبا» مفتوحاً على ضوء الشمع. وعمل الشيف في الحديقة الخلفية للفندق حيث أشعل ناراً لتحضير أطباق المطعم. كان إخلاء المبنى يستغرق 20 دقيقة تقريباً، ولكن في إحدى المرات رفض 200 شخص إخلاء المطعم بعد إبلاغهم بوجود عبوة ناسفة، وأجبرت ادارة الفندق على دفعهم إلى الإخلاء من خلال دعوتهم إلى أخذ كؤوس وزجاجات النبيذ معهم إلى الشارع المقابل!
وبعد تعرّض الفندق لهجمات متكررة، قرّرت إدارة الفندق استبدال الواجهة الزجاجية بألواح خشبية، فعرف الفندق لسنين بـ«فندق الألواح الخشبية». لكن الفندق لا يزال يجتذب الزوار والسيّاح والسياسيين، إذ شهد أخيراً على عقد اتّفاق التسوية بين الكاثوليك والإنجيليين الذي عرف باتّفاق «الجمعة العظيمة»، والذي كان برعاية الرئيس بيل كلينتون.