strong>حسونة المصباحي
جائزة بوكر ما زالت تثير نقاشاً صاخباً بين المثقفين العرب، إن لجهة النتائج، أو آليات الاختيار، أو المشروع من أساسه. ننشر هنا رأي الروائي التونسي حسّونة المصباحي الذي يردّ على الناقد المصري صبري حافظ، مدافعاً عن الجائزة والقيّمين عليها. وتبقى صفحات «الأخبار» مفتوحةً لمختلف الآراء والمواقف

كتب الناقد المصري صبري حافظ في «أخبار الأدب» الأسبوعية مقالاً حول جائزة «بوكر» العربية، تضمّن تهجمات عنيفة ضد بعض المثقفين البريطانيين والعرب. لا يحقّ طبعاً لأحد أن يحاسب الدكتور حافظ على ما فعل ويفعل في بريطانيا، خلال إقامته الطويلة فيها. وليس مشروعاً لأحد أن يسأله ـــــ وهو الأستاذ الجامعي العارف باللغة الإنكليزية ـــــ ماذا فعل للتعريف بالأدب العربي الحديث أو القديم في بريطانيا؟ كما أنه لا يحق لأحد أن يطالب البريطانيين بعدم تأسيس جائزة أدبية تكون جسراً بين الثقافتين العربية والأنغلوساكسونية.
لكننا نستغرب لماذا غضب صبري حافظ منذ أصبح مشروع جائزة بوكر العربية أمراً واقعاً، لا حلماً قابلاً للشطب والإلغاء بحكم المهاترات الفارغة التي تحيط بكل مشاريعنا الثقافية في العالم العربي. وشخصيّاً تألمت كثيراً لأنّ هذا الناقد والاكاديمي صبّ جام غضبه على السيدة مارغريت أوبانك متهماً إياها بأنّها «جاهلة في الأدب العربي». لقد نسي أو تناسى أنّ هذه السيدة العاشقة للشرق وللعرب بصفة خاصة، حققت ورفيق دربها صموئيل شمعون، انجازاً كبيراً هو إطلاق مجلة «بانيبال» التي تعمل منذ عقد على التعريف بالأدب العربي في لغة شكسبير. لقد نجحت هذه المجلة في ملء فراغ هائل، وفي تعريف العالم بجوانب متعددة ومختلفة من الثقافة العربية، من خلال ترجمة مئات النصوص الأدبية العربية إلى الإنكليزية. وبدلاً من أن نحيّي السيّدة أوبانك ونبارك جهودها، على هذا العمل لم تتمكّن من إنجازه شخصيات ومؤسسات عربية كبرى... ها نحن نشكك في نزاهتها وجدارتها ونواياها. إنّه حقاً لافتراء مخجل!
أما الكاتب العراقي صموئيل شمعون، فهو ليس أكاديمياً مثل الدكتور حافظ، لكنه خدم ولا يزال الثقافة العربية مشرقاً ومغرباً بنزاهة وصدق. وهو يعمل ليل نهار من أجل الارتقاء بمجلة «بانيبال» إلى المستوى المطلوب. فماذا قدم صبري حافظ؟ وحين يتذمر صديقنا من «هدر المال العربي»، تصل المهزلة إلى ذروتها المضحكة ــــ المبكية. الدكتور خائف على عشرات آلاف قليلة من الدولارات... في حين أن جفنه لم يرفّ يوماً أمام هدر الملايين، بل المليارات من أموال البترو دولار في الكازينوهات والكاباريهات والمشاريع الغامضة، وفي شراء الأسلحة وفي حرق ما تبقى من اخضرار ثقافتنا العربية ونضارتها. إن التجربة علّمتنا أن نحذر هذا النوع من المثقفين الغارقين في السلبية والتقوقع، ممن تحركهم مصالحهم أولاً وأخيراً. أيعقل، في كل مرة يبرز فيها مشروع يهدف إلى خدمة الثقافة العربية بالمعنى الحقيقي للكلمة، أن نتصدى له بالتهجّم الجارح؟ مثقف يدّعي أنّه مع التنوير والحداثة والحوار مع الآخر، كيف لا يكون له هم سوى تخوين الآخر؟
إن مارغريت أوبانك وصموئيل شمعون أنجزا في وقت قليل، ما لم تنجزه أجيال متعاقبة من المثقفين في بريطانيا. فإلى ماذا يستند صبري حافظ لإطلاق التهم جزافاً، ضدهما وضد أصدقاء الثقافة العربية؟ هل فاته أن أوبانك تصرف في الحقيقة من مالها الخاص على خدمة الثقافة العربية وليس العكس؟ تُرى ما هو الدافع، يا دكتور صبري حافظ، وراء كتابة مثل هذا المقال التجريحي الذي لا نريد أن ننعته بالحاقد والمريض، كي لا نقع بدورنا في لغة الاتهام؟
ليس ما يؤذي النقاش الفكري والحياة الإبداعيّة، مثل لغة الإطلاق والاتهام وإعدام الآخر... لعلّها المرارة التي يرزح تحتها بعض المثقفين العرب، ممن يشعرون بالعزلة الثقافية في هذه العاصمة أو تلك... فلا يعود أمامهم سوى اللغة العنيفة العدوانية والظالمة، حيث نتوقع منهم الهدوء والصدق، واحترام التجارب على اختلافها، وتقدير جهود الآخرين... فهل يكون السيد حافظ مثلاً أحد هؤلاء؟... لقد استفزّتنا مقالته المتسرّعة، وكان لا بدّ من الردّ دفاعاً عن السيدة الرائعة مارغريت أوبانك، «الوزيرة الحقيقية للثقافة العربية الآن» كما وصفها ذات يوم الشاعر والكاتب العراقي فاضل العزاوي.