علاء اليوسفي
هل نتخيّل ـــــ ولو على سبيل التسلية ـــــ عالماً من دون تلفزيون؟ أحداثٌ تاريخية تمرّ من دون كاميرا تؤرشفها وتعرضها آخر النهار في نشرة إخبارية؟ شخصياتٌ سياسية مهمّة تغتال، ولا نلتقط من الحدث سوى صورة وخبر في جريدة؟ مقاومة تطرد احتلالاً من دون أن يتسنّى لنا أن نرى إنجازاتها، وأن نشاهد عملياتها المصورة؟ ثم أيّ تأثير قد ينتج من ذلك في ذاكرتنا البصرية؟ ما الذي يبقى من تلك الذاكرة الجماعية من دون تلفزيون؟ وأي تأثير نفسي وأي فارق بين أن نتفاعل كونياً ووطنياً مع حدث ما، وألّا نتفاعل؟ وما علاقة ذلك بزافين؟ و«سيرته المفتوحة»؟
يرفع زافين عنواناً جذاباً يشبه «سندويش» شهياً مصوّراً باحتراف على لوح بلاستيكي مضاء، كما في محالّ الوجبات السريعة، لكن عندما يحين وقت الأكل، لا نجد في «السندويش» سوى الكاتشاب، فنروح نبحث عن قطعة اللحم الشهية التي تتدلل من بين الخبز... في الصورة.
كان يستحق عنوان الحلقة «لحظات تلفزيونية... ذاكرة للجميع» أن يقدم بطريقة وبسياق مختلفين عما عُرض أول من أمس على شاشة «المستقبل». كان في الإمكان على الأقل استضافة أكاديميين وصحافيين بدل الاكتفاء بضيف واحد، وجمع مواد أكثر إثراءً عن الموضوع. هكذا حلّ كميل منسى وحيداً على «سيرة وانفتحت» بصفته إعلامياً ورئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين. ولم تنفتح «السيرة» من دون المرور بتجربته الشخصية التي احتلت جزءاً كبيراً من الحلقة، حتى إنّها بدت أحياناً كأنها مقابلة شخصية أو تكريم للضيف الذي عمل سابقاً مدير أخبار لتلفزيون لبنان ومديراً للإذاعة اللبنانية.
اضطر زافين إذاً إلى الخوض في تفاصيل شخصية لم تضف أي قيمة معرفية إلى الحلقة. وكان يمكن تجنّب ذلك من خلال دعوة ضيوف آخرين متخصصين في الإعلام من جوانب اجتماعية ونفسية، أو الاستغناء عن تلك التفاصيل من خلال عرض تقارير مصورة تستفتي المشاهدين. أمّا الاكتفاء بفتح المجال للتصويت على موقع البرنامج على الانترنت عن «أهم المشاهد التلفزيونية التي لا تغيب عن البال»، فهو تصويت قاصر. ذلك أنّه سوف يقتصر غالباً على مشاهدي البرنامج، وهم عيّنة لا تعبّر بالضرورة عن عامة المشاهدين. ومن بين الأسئلة التي طرحت، راح منسى يجيب زافين عن أهم اللحظات التلفزيونية التي صنعها، وعن تغطيته حرب اليمن، وتحدث عن تجربته أثناء وجوده في تشييع الرئيس جمال عبد الناصر، كما أجاب عما إذا كان يتمنى تغطية أحداث 11 أيلول، ثم استفاض في الحديث عن الفترة الزمنية التي مرّت عليه بعد استشهاد الرئيس الحريري ولحظة تلقيه الخبر.
الحلقة مرّت برتابة لم يبدّدها الشباب الجالسون على المدرج الصغير في الاستديو، الذين لم يكن لهم دور غير التصفيق، كأنهم ديكور بشري. انتظرنا التقرير الموعود عن أهم اللحظات التلفزيونية التي أثرت في العالم، الذي أجلّه زافين إلى نهاية الحلقة مسبغاً عليه تشويقاً مفتعلاً بين الفينة والأخرى، لكنه لم يأت إلا بمزيد من الكاتشاب.
لم يوضح زافين مصدر التقرير المصور والجهة التي أعدته، وما إذا كان بالإمكان الحصول عليه من موقع «يوتيوب» على سبيل المثال. وقد أورد التقرير مشاهد بالأبيض والأسود عن التلفزيون الأميركي، تتالت وتداخلت بين أحداث تاريخية ومشاهد من برامج سياسية واجتماعية وكوميدية ونشرات إخبارية. حتى إن المشاهد اللبناني لم يكن ليميز نصفها، إذ بدت أنها موجهة إلى الجمهور الأميركي بشكل أساسي.
أثار الشريط القصير غيرة زافين، فقرر في نهاية الحلقة أن يصنع فيلماً على غراره عن أهم اللحظات التلفزيونية التي طُبعت في ذاكرة المشاهد اللبناني. ووعدنا بحلقة ثانية الأسبوع المقبل، فعسى أن يتاح له الوقت الكافي لإعدادها بشكل جيد.