محمد خير
أي دور قد تؤدّيه أفلام الإنترنت، في كشف فساد الأنظمة العربية؟ المصريان البرّاء أشرف وعمر خالد اقتفيا أثر محاكمات الإخوان في مصر، والرابطة العراقية، و«القناص تارجيست» المغربي، للبحث عن إجابة. والنتيجة وثائقيّ «الشاهد أنت» الذي يعرض الشهر المقبل على «الجزيرة»

إذا تضمّن وثائقي غربي صوراً لسجون وقضبان ومعتقلات، فقد يعني هذا أن الفيلم يتناول حقباً زمنية بعيدة، أقربها نازية الأربعينيات أو سبعينيات فرانكو. أما لو كان الشريط عربياً، فإن مشاهد سجونه ومعتقلاته وصور التعذيب فيه، تكاد تكون نقلاً حياً، مباشراً على الهواء. وأسوأ ما فيه أنّ الديكتاتوريات المتراصة من الخليج إلى المحيط، لا تحكم الحاضر فحسب، بل تبدو ملتزمة المستقبل أيضاً. في هذا الإطار، تظهر إلى النور كل يوم أفلام وثائقية عربية يواجه أصحابها مضايقات السلطات وأحكام السجن أحياناً. وهو ما لا يرجو أحد أن يصيب المخرجَين المصريَّين البراء أشرف وعمر خالد اللذين انتهيا أخيراً من تصوير أحداث فيلمهما «الشاهد أنت». مدة الفيلم 52 دقيقة، وتعرضه قناة «الجزيرة» خلال شهر آذار (مارس) المقبل، أي بعدما ينهي أشرف وخالد تنفيذه كاملاً.
البراء أشرف الذي وضع أيضاً سيناريو الفيلم، هو أحد أعضاء ورشة كتاب السيتكوم المصري «تامر وشوقية». لكن الأهم هنا أنه مدوّن «عريق» ــــــ لو صح التعبير ـــــ تحظى مدوّنته «وأنا مالي» بشعبية جيدة. علماً أنه يصدّر واجهتها ببيت شعري معروف مع تعديل طريف: «وطني لو شغلت بالخلد عنه، هايتسرق»!.
اهتمام أشرف بالتدوين يمثّل مدخلاً مناسباً لمضمون الفيلم الذي يتناول انتشار مقاطع الفيديو على الإنترنت، سواء على موقع «يوتيوب» الشهير أو على المدوّنات. ويرصد «الشاهد أنت» أفلام الفيديو والصور التي تهتم بمحاربة الفساد الرسمي، ويضيء على دور المدوّنين في تسجيل وتوثيق الأحداث الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. وهو الدور الذي تجاوز أحياناً المساحة الافتراضية إلى ساحة القضاء، ليكوّن بعض المدونين محوراً في التحقيقات بقضايا الفساد والتعذيب، وصولاً إلى إدانة مرتكبيها. واختار المخرجان العشرينيان أن يتناولا هذا الدور من خلال ثلاث تجارب، حدثت في مصر والمغرب والعراق.
في مصر، يتوقف المخرجان عند ثلاثة نماذج: الأول هو المحاكمات العسكرية التي تجري حالياً لأربعين من قادة جماعة الإخوان المسلمين. وذلك من خلال المدونات التي أنشأها أبناء القادة الإخوانيين المذكورين، ووثّق المخرجان تجارب ـــــ وتدوينات ــــــ عدد من أولئك الشبان، بينهم أبناء القياديَّين حسن مالك وخيرت الشاطر، بينما رفض مدونون آخرون التسجيل لمخاوف أمنية.
النموذج المصري الثاني هو المدون كريم البحيري الذي تتميز مدونته «عمّال مصر» بتسجيلها أكبر قدر ممكن من وقائع الإضرابات العمالية التي اجتاحت البلاد في الأشهر الأخيرة، وعلى رأسها إضرابات عمال شركة المحلة للغزل والنسيج. وانفردت مدونة البحيري بالعديد من لقطات الفيديو والصور التي استعان بها بعض وكالات الأنباء. ويختتم الفيلم جولته المصرية بنموذج حركة «شايفينكم»، وهم مجموعة من النشطاء الذين استخدموا الصورة لتوثيق وفضح مظاهر الفساد السياسي في مصر.
أما في ما يخص الحالة العراقية، فقد استعان أشرف وخالد بالرابطة العراقية في بغداد. هذه المؤسسة التي تأسست عام 2004 وأنشأت موقعاً على الإنترنت، تمثّل حلقة وصل بين العراقيين في مختلف أنحاء العالم، وتقدم إليهم الدعم المعلوماتي والحقوقي. وقد رصد المخرجان ما يملكه مكتب الرابطة في بغداد من صور وشرائط، توثّق الانتهاكات التي يتعرض لها العراقي على يد الميليشيات الطائفية، وعلى يد المارينز، فضلاً عن العنف الذي يدور بين تلك الأطراف.
وفي المغرب، اهتم «الشاهد أنت» بالمدون الأكثر شهرة «قناص تارجيست». هذا «القناص» تخصص في تصوير الرشى التي يحصل عليها بعض رجال شرطة المرور المغربيين في الشوارع، ثم نشر تلك الصور على شبكة الإنترنت. ما أزعج السلطات المغربية كثيراً ودفعها ـــــــ من دون جدوى ـــــــ إلى محاولة تحديد شخصيته. ودفع ذلك ببعض المدونين الآخرين إلى تقليده، فتحوّل المدون الخفيّ إلى أسطورة في أوساط المدونين المغاربيين، كما تحول لقبه إلى رمز يستدعي ضرورة مقاومة الفساد أينما حلّ.
يذكر أنّ موقع «يوتيوب»، الأكثر شهرة في مجال عرض مقاطع الفيديو على الإنترنت، كان قد تعرض لانتقادات بعد إلغائه حساب المدون المصري الأشهر وائل عباس الذي يستخدم الموقع في عرض مقاطع فيديو وصور تكشف انتهاكات حقوقية. واللقطات التي أسهمت في محاكمة رجال شرطة مصريين في قضايا تعذيب، وجد فيها «يوتيوب» ذريعة لإلغاء حساب عباس بدعوى وصول شكاوى عديدة إلى إدارة الموقع، تعلن تضرّرها من المحتوى العنيف. إلّا أن «يوتيوب»، تراجع لاحقاً وأعاد إلى عباس حسابه كاملاً مع الصور والفيديو. ومن المعروف أن «يوتيوب» أصبح مملوكاً لشركة «غوغل» وفق صفقة بلغت قيمتها ملياراً وستمئة مليون دولار. وواجهت «غوغل» بدورها انتقادات، عندما تردّد أنّها حذفت صورة اللاعب المصري محمد أبو تريكة من نتائج البحث عن الصور، وتحديداً تلك الصورة الشهيرة التي يكشف فيها عن عبارة «تعاطفاً مع غزة». لكن «غوغل» عادت لتعلن أنها لم تحذف الصورة وأنها متوافرة في نتائج البحث. وإذا بالصور «المختفية» تظهر فجأة!... ترى هل يتعرض مخرجا «الشاهد أنت» لمثل تلك «الضربات تحت الحزام» من جانب مواقع الإنترنت الشهيرة؟ لننتظر ونرَ.



«بهيّة»... والمدوّنون

أبدت قناة «الجزيرة» اهتماماً ملحوظاً ومتصاعداً بظاهرة التدوين في العالم العربي، وخصوصاً في مصر. وتابعت المحطة القطرية ازدهار تلك الظاهرة الحديثة، والصدامات بين ناشطيها وبين السلطات التي ارتبكت إزاء هذا الشكل الجديد في التعبير، واحتارت في التوصيف القانوني لما قد يرد من نقد على مدوّنات هي «رسمياً» تقع خارج نطاق الدولة. ذلك أنها منسوبة لخادم الإنترنت (server) الذي يستضيفها. وهذا الأخير يكون غالباً في دولة غربية، لكن ذلك لم يمنع الصدام بين السلطات وبين مدوّنين دخل بعضهم السجن ثمناً لما كتب.
بعض هؤلاء كانوا ضيوفاً على أحد أهم البرامج التي ناقشت الظاهرة على قناة «الجزيرة». وهو وثائقي «المدوّنون» الذي عرضته القناة قبل حوالى عامين. وبين فترة التصوير ويوم العرض قُبض على بعض المدونين الذين ظهروا في البرنامج، فأشارت المحطة إلى ذلك في نهاية الوثائقي الذي يمكن مشاهدته مجزّأً على موقع «يوتيوب». وذلك، بعدما أدخله إلى الموقع وائل عباس أحد ضيوف الفيلم الذي استضاف أيضاً المدونين مالك، وعلاء، وعمرو عزت، والبراء أشرف الذي يعود إلى الشاشة مخرجاً، وإن لم يبتعد عن التدوين. والأسماء المذكورة ما زالت مع آخرين، تمثّل أهم الأسماء في عالم التدوين المصري الذي التفت إليه المجتمع العربي للمرة الأولى عندما أشار محمد حسنين هيكل إلى اهتمامه بمدونة اسمها «بهية». وكانت إشارة هيكل أيضاً (للمصادفة؟) على شاشة «الجزيرة»، خلال برنامجه «تجربة حياة».