بيار أبي صعب
«تأتيه ذات مطر/ تعلّق على المشجب/ ذاكرة مبللة/ تحرّر قدميها/ من وحل الشك/ العالق/ بكعبها العالي/ وتقتحم غموضه/ حافيةً من اليقين/ كعتمة». كل فاتحة مرشيد في هذا المقطع الشعري المقتطف من ديوانها الثالث «تعال نمطر» الذي صدر العام الماضي في القاهرة عن «دار شرقيّات». لغتها، إيقاعها الداخلي، رهافتها، نظرتها الخفيّة إلى الناس والمشاعر والأشياء. خلال «معرض الدار البيضاء للكتاب»، قبل أسابيع، اكتشفنا في جناح «دار مرسم» المغربيّة طبعة جديدة من ديوانها الأسبق «ورق عاشق» (2003) في حلّة إخراجيّة أنيقة، تتضمّن إضافة الى النص الأصلي ترجمة فرنسيّة بتوقيع ثريا إقبال. سألنا عن الشاعرة، قيل لنا إنّها طبيبة مغربيّة. طبيبة أطفال.
في النصّ، نكتشف تلك المسافة التي اجتازتها فاتحة مرشيد لتسترجع ذاتها السابقة، لتعيد الصلة بأحلام مراهقة تريد أن تكتب، وبرغبات امرأة تعيد اكتشاف ذاتها، حريّتها، «قلعة جسدها». طبيبة ترتمي في أحضان النص لترميم المشاعر، ورصد الحبّ الصعب، وقول الخفيّ وغير المرئي في تجربتها الإنسانيّة... تلك أيضاً بطلة روايتها الأولى «لحظات لا غير» التي صدرت قبل أشهر في بيروت (المركز الثقافي العربي)، فحيّاها محمد برّادة بصفتها تعيد إلى الأدب العربي صنفاً دخل طيّ النسيان (والازدراء)، ألا وهو رواية الحب.
أسماء، بطلة مرشيد، طبيبة متمردة على الأعراف... ووحيد شاعر مثل خالقته أيضاً. كما في كتاب التونسيّة ناجية الزمني الذي استوحت منه جليلة بكار مسرحيّة وفيلم «جنون» للفاضل الجعايبي، تصطدم المحللة النفسية بالمحظور المهني، إذ تقع في غرام مريضها الشاعر المأزوم. ستعيده الى الشعر، ويبعث فيها لوثة الكتابة. الكتابة ترياق عند فاتحة مرشيد. استعادة للذات، للحريّة... وحين يموت وحيد، لا يبقى أمام أسماء سوى أن تعوّض الغياب بالكتابة.