منار ديب
يبدو أن دفء العلاقات السورية ــ التركية قد وصل إلى المسلسلات. المنتجون في دمشق وجدوا لدى الجار الشمالي قصصاً تعني المشاهد العربي، فقرروا تقديمها بلغة دارجة... بعد المسلسلات المكسيكية الشهيرة، هل تعود الدبلجة إلى الدراما عن طريق إسطنبول؟

قبل حوالى عقدين، اكتشف اللبنانيون دراما أميركا اللاتينية، وخصوصاً المكسيكية. دبلجوها إلى الفصحى، فانتشرت عربياً حتى ما كادت تغيب عن القنوات العربية إلا في ما ندر (لا يزال الشارع السوري يتذكر حمّى مسلسل «كاساندرا» التي وصلت إلى الموضة والأزياء). الآن، ها هم السوريون يجلبون الدراما التركية إلى المشاهد العربي، من دون ضجيج. يقترحون مدرسة درامية قريبة من السورية بملمسها الواقعي ومشاهدها الخارجية المصورة في أماكن حقيقية، ويقدمونها بلهجة سورية دارجة.
تسوّق الدراما التركية نفسها من خلال ممثلات جميلات وممثلين وسيمين، لكن هذه الأعمال لا تنهض على أكتاف هؤلاء فقط، إذ لا تتمحور حول حسناء يحمل المسلسل اسمها. هناك دوماً قضايا تاريخية وسياسية واقتصادية تمثِّل جزءاً أساسياً من نسيج العمل.
إلا أن هذه المسلسلات تتباين في موضوعاتها وطروحاتها، فهي تبدو تقليدية حيناً مع قصص الحب فيها، وساذجة الحبكة أحياناً بصدفها وادعاءاتها الأخلاقية المثالية. ومع ذلك، تراها تعبّر في النهاية عن طريقة تفكير مجتمع شرقي قريب منّا، وخصوصاً المجتمع السوري. ويبقى هذا القرب أكبر، إلى حد بعيد، من ذلك الذي يمكن أن يجمعنا بمجتمعات أميركا اللاتينية، وخصوصاً تلك النماذج البورجوازية والمفتعلة التي قدّمتها مسلسلاتها الاستعراضية.
«إكليل الورد» Cemberimde Gul Oya الذي عرضته mbc الصيف الماضي كان فاتحة هذه المسلسلات. تلا ذلك «الشلال» و«كركوز وعيواظ»، وقد ظهرا على القناة نفسها. وهي المحطة الوحيدة المستمرة ببث هذه الأعمال، وآخرها «سنوات الضياع» الذي يعرض حالياً.
«إكليل الورد» يروي حكاية جيل تركي عبر حبكة متقنة تقترب من الأدب. رواية أجيال تصور الصراعات الاجتماعية والسياسية من السبعينيات حتى اليوم عبر قصص حب وكفاح. لكنّ الدبلجة السورية لم تتوغل في تعقيدات الصراعات السياسية المحلية التي يجهلها المشاهد العربي ولا تعنيه، فاكتفت بالعموميات. وفي هذا العمل، سيتعرف المشاهد العربي إلى جماليات الدراما التركية بعنايتها العفوية بالصورة، وبحسّها الواقعي وروحها الإنسانية. وإذا بالانطباع الأول الذي يخرج به المشاهد، وخصوصاً مع سماعه للهجة، هو اعتقاده بأنه يشاهد مسلسلاً سورياً لكن بقدرة تقنية أكبر وبمشاهد درامية مشدودة أكثر، وأقل ترهلاً، لكن ليس بعمق فكري أهمّ بالضرورة. أما «الشلال» الأشبه بفيلم طويل من جزءين، فيذهب إلى الريف التركي عبر حكاية ترجع عقوداً في الزمن، كما اعتادت الدراما السورية أن تفعل. وتعتمد الدبلجة لهجة جبال الساحل السوري، وربما كان هذا الخيار نابعاً من كونها لهجة ريفية لمنطقة قريبة جغرافياً من تركيا. ثم جاء «كركوز وعيواظ» الفيلم التلفزيوني الطويل، وهو عمل تراثي تاريخي، يستلهم الشخصيتين الشهيرتين في خيال الظل العثماني.
واليوم، تعرض «أم بي سي» مسلسل «سنوات الضياع» Ihlamurlar Altinda. إنها حكاية الشاب يحيى (يلماز في النسخة التركية، ويلعب دوره الممثل بولنت إينال) وحبيبته رفيف (إيليف أو الممثلة أوزغ بوراك) اللذان ينتميان إلى الفئات الشعبية، ويحلمان بالزواج. لكن صعوبات الحياة تقف في طريقهما، فينتهي يحيى بالسجن، وهو يحاول إيقاف إنزلاق خطيبته نحو العالم المغري لصاحب عملها الشاب عمر (سنان توزكو).
يصور المسلسل الصراع النفسي في شخصيتي يحيى ورفيف، وإصرار الأخيرة على التمسك بمن تحب حتى النهاية رغم شكوكه ومعاييره الأخلاقية المتشددة. لكن يأس رفيف من يحيى الذي يرفضها دون هوادة، يجعلها تستسلم لإغراءات عمر. وفي السجن، يتعرف يحيى إلى أحد رجال المافيا الكبار. ويوم ينقذ يحيى رجل المافيا من خطر يحدق به، تنشأ بين الرجلين صداقة، ويكافئه الأخير بمركز مرموق في شركته بعد إطلاق سراحهما. ثم تنشأ قصة حب بين يحيى ولميس، شقيقة عمر (توبا بويوكوستن التي ظهرت في «إكليل الورد»)، لتبقى عوالم الأبطال الأربعة متشابكة ومصائرهم متداخلة.
«سنوات الضياع» من إنتاج 2006ـــــ 2007 وهو يتكون من جزءين، يقع كل منهما في 40 حلقة، علماً بأن مدة الحلقة التركية ساعة ونصف، بينما اختصرت الحلقة المدبلجة إلى أقل من ساعة. النسخة العربية من إنتاج شركة «سامة» السورية (يملكها رجل الأعمال أديب خير، والموسيقي طاهر مامللي، والفنان جمال سليمان)، والترجمة لسليمان شحود أوغلو. أما الإشراف العام فللفنانة لورا أبو أسعد التي تولت الإشراف على الأعمال التركية الأخرى للشركة. وأدى الأصوات مجموعة من الممثلين السوريين منهم أسماء معروفة كلويز عبد الكريم، ورنا جمول، وحسام الشاه. لكن القائمة خلت من النجوم الذين لا يغريهم العمل في الدوبلاج مادياً ولا معنوياً. ورغم ذلك، تميزت الدبلجة بأداء تمثيلي جيد، واستطاعت أن تمنح الإحساس بعمل أصلي.
وبينما يؤكد مصدر في «أم بي سي» أن المسلسلات التركية تسجل إقبالاً جيداً، قد يفتح تتالي هذه الأعمال المدبلجة الباب لاكتشاف هذا المصدر الدرامي، وخصوصاً أن تكاليف الدبلجة هي أقلّ بما لا يقاس من تكاليف الإنتاج. لكن من المستبعد أن تؤثر هذه المسلسلات على حركة الإنتاج السورية، كما فعلت المسلسلات المكسيكية في لبنان.
من السبت إلى الأربعاء 15:00 على mbc



«أولاد القيمرية» يتذوّقون «الحصرم الشامي»

بدأ في أحد البيوت الدمشقية القديمة تصوير مسلسل «أولاد القيمرية»، من تأليف عنود خالد، سيناريو وحوار عباس النوري وحافظ قرقوط. أما الإخراج فلسيف الدين سبيعي، والإنتاج لشبكة «أوربت». العمل هو واحد من الأعمال البيئية التراثية التي حقّقت شعبيةً كبيرةً في الآونة الأخيرة، وخصوصاً «باب الحارة». وبينما انطلق تصوير «أيام ساروجة» لعلاء الدين كوكش، يُنتظر أن يفتح بسام الملا «باب الحارة 3» قريباً. كما يتابع سيف الدين سبيعي سلسلة «الحصرم الشامي» مع الكاتب فؤاد حميرة بعد الانتهاء من تصوير «أولاد القيمرية». ماذا يقول سبيعي عن «أولاد القميرية»؟ «يحكي عن الشام في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وهو يندرج في إطار أعمال البيئة، لكنه يأخذ في الاعتبار الزمان والمكان بشكل أكبر والظرف التاريخي، ويستعرض شرائح أكثر من شرائح المجتمع كالموظفين، والعلاقة مع النافذين في السلطة كالوالي والحكمدار، ويرتبط ذلك بعدد من القصص الاجتماعية».
تشارك في المسلسل نخبةٌ من الممثلين السوريين في طليعتهم: عباس النوري، أمل عرفة، رفيق سبيعي، خالد تاجا، حسن عويتي، ناجي جبر، سلافة معمار، يارا صبري، شكران مرتجى، مكسيم خليل، أيمن رضا ورامي حنا.
سبيعي يصوّر أيضاً الجزء الثاني من «الحصرم الشامي» الذي يتناول البيئة نفسها وفي مرحلة تاريخية متقاربة... ألن يوقعه ذلك في الإرباك، وكيف يفصل بين المشروعين؟ يجيب أنّ «الحصرم الشامي» مشروع مختلف، إذ يأخذ التاريخ الحيّز الأكبر من البيئة، بينما الحال في «أولاد القيمرية» هي العكس».
هل هذا التوجه نحو الأعمال البيئية هو محاولة لاستثمار النجاح غير المسبوق لمسلسل «باب الحارة»؟ ينفي سبيعي ذلك، ويرى أنّ «أعمال البيئة الشامية ناجحة قبل «باب الحارة»، وذلك منذ مسلسل «أيام شامية». ومن الواضح أن الناس يحبون هذه النوع من المسلسلات، ونحن نحاول أن نقدم مشاريع مختلفة».
ينتهي تصوير «أولاد القيمرية» في أيار (مايو) أو حزيران (يونيو) المقبلين. وبعدها ينتقل المخرج الشاب إلى تصوير «الحصرم الشامي». وكان سيف الدين سبيعي انتهى أخيراً من تصوير «مطر الربيع»، وهو مسلسل من 10 حلقات يتناول قصة رومانسية تدور أحداثها في الخمسينيات.