محمد خير
سنة الانتصارات الإلكترونية

خلال الحديث عن حصاد 2007 بالنسبة إلى وسائط الميديا الحديثة، ليس هناك خبر أفضل من ذاك الذي كانت بطلته ملكة إنكلترا. إليزابيث، وهي تحتفل بتخطيها سنّ جدتها فيكتوريا لتصبح أكبر من جلسنَ على العرش البريطاني عمراً، اختارت أن تهنئ شعبها بعيد الميلاد من خلال «يوتيوب». وإليزابيث (81 عاماً)، ليست فقط رمزاً لجيل الثلث الأول من القرن العشرين، بل الرمز الكلاسيكي للحكم الأكثر كلاسيكيةً على وجه البسيطة. وإذا بالقصر الملكي الذي لم تمنعه التقاليد من أن يدرك تغييرات العصر، يؤكد صحّة توقعات بيل غيتس بأن الشبكة العنكبوتية في طريقها إلى «إحداث ثورة في عالم التلفزيون في غضون خمس سنوات. وذلك، بسبب انفجار محتوى الفيديو على الإنترنت، ودمج أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون».
في الواقع، يبدو أن غيتس قلّل من السرعة المتوقعة لنهاية عصر التلفزيون، على الأقل الشكل التقليدي لهذا الجهاز الخطير... إذ لا يمرّ يوم إلا تحقق وسائط الميديا ـــــ وعلى رأسها الإنترنت ـــــ سبقاً جديداً. والذين دُهشوا من شراء «غوغل» لموقع «يوتيوب» بمبلغ مليار و600 مليون دولار أميركي، عادوا ليفغروا أفواههم دهشة من الثقة التي رفض بها Facebook عرضاً لشرائه بمليار دولار من «غوغل» أيضاً. لكن صاحب ومؤسس Facebook، الأميركي مارك زوكربيرغ (23 عاماً) عاد ليبيع 1.6 في المئة من الموقع لـ«مايكروسوفت» بمبلغ 280 مليون دولار، ليثبت أنّ القيمة المادية المباشرة لوسائط و«أفكار» الميديا الحديثة، قد تتجاوز اقتصاديات مؤسسات عملاقة، تمتلك أراضي ومواد خاماً.
والخطر الذي يمثّله الإنترنت على وسائل الميديا التقليدية دفع بالأخيرة إلى بث قنواتها عبر Youtube وغيره. وعلى رأسها BBC التي تبثّ موادها عبر ثلاث قنوات في «يوتيوب». بينما حصلت «مايكروسوفت» على حق بثّ الإعلانات على الـ«فايس بوك» خارج الولايات المتحدة. الدعايات هي النقطة الأكثر ثورية في الإنترنت، فهي تتميز بالشخصنة بمعناها الإيجابي. وعلى عكس التلفزيون الذي يبث الدعاية نفسها للجميع، فإن مواقع الإنترنت تحصل على معلومات متعلقة بتفضيلات المستخدم وبياناته العمرية والجنسية والوظيفية، ما يتيح توجيهاً للدعاية يتناسب وطبيعة المستخدمين، كل على حدة. كما يراعى تنوعهم ويقوّي شدة العلاقة بين الإنسان والحاسوب إلى صورة قريبة من العلاقات «الشخصية»، ما يرى فيه آخرون تهديداً لخصوصية المستخدمين من الناحية التجارية وربما الأمنية أيضاً.
إلا أنّ النواحي الأمنية كان لها بعد آخر في العلاقة بين المستخدم والإنترنت. وبينما يقدّم موقع www.undercurrents.org كل ما لا تسمح ببثه مؤسسات الميديا الكبيرة ذات المصالح المتشعبة، وخصوصاً نشاطات مناهضي العولمة، ازدهرت في 2007 ظاهرة «كليبات التعذيب». وقد قدم بسببها عدد من رجال الشرطة في مصر إلى المحاكمة... كل ذلك قبل أن تتوتر العلاقة بين «يوتيوب» والمدوّن المصري وائل عباس، أشهر من نشروا تلك الكليبات. إذ قررت إدارة الموقع إلغاء حساب عباس استجابة لما قالت إنها شكاوى وصلت من مستخدمين، تضرروا من العنف في اللقطات. وربما لم تتوقع الشركة ردّ الفعل الذي أحدثه إلغاء حساب المدون الذي رشحته «سي إن إن» ضمن عدد محدود كشخصية العام عن الشرق الأوسط، ما دفع بـ«يوتيوب» إلى إعادة الحساب كما كان، مع 100 صورة و13 مقطع فيديو. هكذا فإن العام الذي بدأ والناس ما زالوا منبهرين بالمدونات والبلوغز، انتهى والناس يستغربون المستخدم الذي لم يشترك في «فايسبوك» بعد. أما أجهزة التلفزيون بأنواعها المختلفة، فقد بدأت تعاني أتربة تتراكم عليها كل يوم.