تسجيلات «سقطت» في الملكية العامة
أجريت منذ سنوات دراسة ضخمة لاحتساب قيمة الحقوق الفكرية التي تعود إلى موزار (1756ــ1791) بغضّ النظر عن القانون الذي يرعى هذه المسألة في مجال الموسيقى. علماً أنّ هذا القانون يقضي بانتقال ملكية أي عمل موسيقي من مبدعه إلى الملكية العامة بعد خمسين سنة على نشره. هكذا، قُدّرت هذه الحقوق بقيمة تخوِّل موزار شراء فيينا بكل ما تحويه!
بعد اختراع التسجيل الصوتي، أضيفت إلى حقوق التأليف في الموسيقى الكلاسيكية، الملكيّة المتعلقة بأداء المقطوعة الموسيقية وتسجيلها وهي تعود إجمالاً إلى الشركات المنتِجة. هكذا، خرجت التسجيلات التاريخية التي تعود إلى أواسط الخمسينيات وما قبل، عن سيطرة الشركات التي أنتجتها. ودفع هذا الموضوع بمجلة «كلاسيكا ـــــ ريبرتوار» الفرنسية المتخصصة في الموسيقى الكلاسيكية، إلى إرفاق عددها الشهري بأسطوانة مجانيّة تحمل تسجيلات قديمة. انطلق المشروع في أيلول (سبتمبر) الماضي مع تسجيل أربع سوناتات للبيانو لبيتهوفن في أداءٍ مرجعيّ للنمساوي رودولف سيركن (1903ــ1991) يعود إلى الفترة بين 1947 و1952. تلتها أسطوانة استثنائية وزّعتها المجلّة مع عددها لشهر تشرين الأول (أكتوبر) 2007 وحوت تسجيلاً لمجموعة من افتتاحيات أعمال أوبرالية معروفة للمؤلف الإيطالي روسّيني من توقيع مواطنه، وأحد أعمدة الرعيل الأول في مجال قيادة الأوركسترا، أرتورو توسكانيني على رأس أوركسترا «أن.بي.سي» السيمفونية. أمّا عدد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من «كلاسيكا ـــــ ريبرتوار» فأُرفق بأسطوانة حملت توقيع أحد كبار عازفي الفيولون في القرن العشرين، الأميركي من أصل روسي، يهودي مينوهين في تسجيل نادر (1949) للكونشرتو الوحيد الذي يجمع هذه الآلة بالأوركسترا للمؤلف الروسي تشايكوفسكي. هذا إضافة إلى ثلاثي البيانو والفيولون والتشيللو (تسجيل تشوبه رداءة الصوت بسبب قدمه ــــــ 1936). وتابعت المجلة توزيع ما سمّتها التسجيلات الأسطورية، فاختارت في عددها كانون الأول (ديسمبر) 2007 وكانون الثاني (يناير) 2008 تسجيلاً معروفاً في عالم الأداء في الموسيقى الكلاسيكية، يجمع قائد الأوركسترا الأشهر في العالم النمساوي هربيرت فون كارايان (1908ــ 1989) بعازف البيانو الألماني فالتر غيزيكينغ (1895ــ 1956). وهنا نتكلم بالطبع عن الكونشرتو الرقم 4 والكونشرتو الرقم 5 للبيانو والأوركسترا للمؤلف الألماني بيتهوفن اللذين يتربّعان على عرش فئتهما منذ قرنين. ويعود تسجيل العملين الى عام 1951 عندما كان كارايان يقود «الفيلهارمونيا أوركسترا» (أوركسترا بريطانية) وهو على مشارف القمة قبل خمس سنوات من تعيينه قائداً مدى الحياة لأوركسترا برلين الفيلهارمونية بُعيد رحيل قائدها الأسطوري فيلهلم فورتفانغلر.
من جهة أخرى، فاجأت Diapason الفرنسية، وهي أهم مجلة شهرية في العالم في مجال الموسيقى الكلاسيكية، قرّاءها مطلع هذا العام بمشروع مماثل حيث أرفقت عددها هذا الشهر بأسطوانتين. الأولى، وهي اعتيادية، حملت مقتطفات من أبرز إصدارات الشهر الماضي، من تسجيلات جديدة وأخرى قديمة أعيد إصدارها. أمّا الثانية ـــــ التي تفتتح على ما يبدو سلسلة طويلة من أسطوانات تحمل تسجيلات أصبحت في مجال الملكية العامة ـــــ فحوت تسجيلين نادرين لم يصدرا في أسطوانة مدمجة قبلاً، هما خماسيَّيْن (خماسي الوتريات وخماسي الوتريات والبيانو) للمؤلف النمساوي شوبرت، يؤديهما رباعي بودابست الذي اشتهر بنشاطه في أواسط القرن الماضي، بمشاركة ضيوف موسيقيين آخرين (لضرورة التركيبة الموسيقية لهذين العملين). أمّا التسجيل، فيعود إلى 1941 و1950.
تسجيلات كثيرة أصبحت ملكاً عاماً، لكنّها لا تتمتع حتّى الآن بنوعية عالية على مستوى الصوت، لأن التسجيل قبل خمسين عاماً كان أحادي الأبعاد (مونو)، لكنّها ستصبح أكثر جودة في المرحلة المقبلة بما أنّ التسجيل الثنائي الأبعاد (ستيريو) أصبح متداولاً منذ 1957 و1958.
بشير...