الخيار الذي يعدّه انتهازيو السلطة خيانة لمبادئهم التي يريدون اختزال الوطن فيها. البحرين ـ حين تكون وطناً ـ فهي ليست أرضاً تسرق، ولا ثروة نفطية تنهب، فكيف أصبحت توقيعاً مزيفاً موضوعاً على وثيقة سفر صادرة عن مطبعة حكومية؟ في لحظة بؤسٍ من أيام السلطة التي تحكم بلادي، وردني أن ذاتاً مصونةَ ما، تستصدر فرماناً يقضي بوضعي وعدد من المواطنين الملعونين بنشاطهم الوطني، وعدد من أنصار إجرام بغداديي «داعش» في دائرة اسقاط جنسيتنا وانتمائنا الوطني.
هذه المرة، قرر النظام الحاكم إعدامنا معنوياً، بعدما أعدمت موبقاته بحق الوطن ضميره، كأنه في لحظة طيش، وقع على حبل السر بيني وبين وطني، فظن أن قطعه يسقطني من رحم الوطن. غير أن طيشه أنساه أن كل اللحظات بعد «14 فبراير» هي لحظات ولادة جديدة، لا ينقطع فيها حبل سرٍ إلا لإعلانها. استعدت بفرمان السلطة المزعوم بخيانتي للوطن ألذ ساعات الذاكرة. نقش اسمي على بلاط في منزل جدي في الجفير، إلى تسلق نخيلها واللعب على شاطئها المنهوب حافي القدمي، حضن أمي وأبي، حضن ابنتي، لا أذكر أني سمعت قبل الآن من يتهم انتمائي لوطني إلا صوت المحقق في ساعة اعتقال مجنونة سابقة. قالها بلكنة مصرية واضحة في اتهامي بخيانة الوطن، حسبته يتساءل عن خيانتي للوطن العربي، فقلت له إنّي لا أكره مصر ولا جمال عبدالناصر، لكنني اليوم فهمت أنه يقصد الخيانة على منهج محمد الماغوط... إذاً نعم، سأخون وطني لأني أحبه.ليس ثمة مبرر مقنع يمكن أن أواجه به نفسي.
هذه السلطة تكرهني لأني أحب في الوطن ما تكرهه، وهي تدعوني لكراهيتها كل ساعة لأنها تقتل في وطني ما أحب. ثمة مبرر آخر لالتزامي بمبادئي التي تخنقها السلطة في اعتبار حراك شعبي نضالاً من أجل بحرين أفضل، أنّ الانتماء لوطن لا يعد منحة، أو هدية من حاكم، يستحق ما دونها من لحظات الألم. الشراكة في إدارة هذا البلد، بين مواطنيه المنتمين، هو الخلاص لقيامته الديمقراطية.
حين يكون الوطن للجميع، لا يحتكر حق المواطنة فيه مستبد، وحين يبقى الاستبداد حاكماً، تكون لخيانة الوطن معان أخرى ليس بينها الخيانة.