حوراء حوماني
رفضت إعادة تصوير المشاهد التي ابتلعتها النيران من «ذكريات الزمن القادم»، بسبب صعوبة استعادة الحالة النفسية للبطلة... رغدة لا تعيش هوس النجومية، ولا تخشى أن يطول غيابها عن الجمهور. هي تنتظر دخول استديو «صبايا وأحلام» كي تؤرّخ للحظات استثنائية من انتصار تموز

قد تكون أكثر الفنانات ظهوراً على شاشات التلفزة المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية. منذ بداية الصيف، أطلت على «المنار» وnbn، و«المستقبل»، ثم «المنار» في الحلقة الأخيرة من «نوّرتو»... تبدو رغدة، أكثر من أي وقت مضى، إنساناً يعيش في صلب قضايا أمته، لا فناناً صنْعتُه الترفيه فقط. هذه الممثلة، صاحبة التاريخ النضالي الطويل في شوارع القاهرة وبيروت وبغداد، ترى أنّ انتصار المقاومة في تموز (يوليو) 2006، جدّد الذاكرة التي غابت عنها الانتصارات لسنوات طويلة، وخصوصاً أنه أتى في ظلّ انكسارات عربية.
تنشغل اليوم في التحضير لمسلسل ضخم بعنوان «صبايا وأحلام» (تأليف أحمد عوض وإخراج رائد لبيب) يرصد بعض الأحداث السياسية والاجتماعية خلال العدوان الأخير على لبنان، ويصوّر بين لبنان ومصر. وتشير إلى أن المسلسل اجتماعي، يندرج ضمن إطار الكوميديا السوداء، «ويسلّط الضوء على الأخلاق التي بدأنا ننسلخ عنها، في زحمة هذا العصر المفتوح والفوضوي»، علماً بأنّ الجهة المنتجة لا تزال في مرحلة التفاوض مع المشاركين الآخرين في المسلسل.
تؤكد الممثلة السورية أنّ التجارب علّمتها أن تعيش اللحظة الراهنة، لا التخطيط للمستقبل. وأكبر دليل على ذلك، «أنني خططتُ وشاركتُ في مسلسل «ذكريات الزمن القادم»، لكنّ الحريق الذي شبّ في شركة «صوت القاهرة»، التهمت نيرانه قسماً من أشرطة العمل، ثم اعتذرتُ عن عدم إعادة تصوير ما احترق، وذلك لصعوبة إعادة حالة فنية كاملة من جديد. وقد شرحتُ الأمر لإبراهيم العقباوي، رئيس شركة «صوت القاهرة»، فتفهّم موقفي، وبدأ البحث عن ممثلة بديلة».
لكن هناك من يقول إن رغدة لم تعد تهتمّ بالفن، بسبب التصاقها بالقضايا الاجتماعية والوطنية فحسب! «أنا لا أنفصل عن ذاتي، هنا أو هناك. ثم من قال إن عمل الفنان ينحصر فقط في الاستديو؟ هناك آلاف الفقراء والمنبوذين الذين يحتاجون إلى عون أو مساعدة». لكن هل تلمس نتيجة أو تغييراً جرّاء نشاطها الاجتماعي؟ تجيب بحزم: «طبعاً، إن استطعت أن أوفّر الطعام لولد واحد أو أن أخدم طفلاً مريضاً ولو ليوم واحد، فذلك أفضل من الجلوس في المنزل». أما بالنسبة إلى نتاجها الفني، فتقول إنّها رفضت المشاركة في أعمال لا تناسب قناعاتها أو مرحلة التغيير التي تعيشها، «لكل مرحلة عمرية هدوؤها وجموحها». وتضيف شارحة: «وُضعتُ في كادر معين عند الجمهور، لا يمكنني أن أهرب منه. ربما أخسر الكثير من المال بسبب ذلك، لكن الإنسان لا يربح كل شيء».
ننتقل إلى الحديث عن الأعمال الرمضانية التي تابعتها في الموسم الأخير، فتقول إنّها ابتسمت كثيراً لشقاوة يحيى الفخراني في «يتربى في عزو». أما سورياً، فتابعت «على حافة الهاوية» و«رسائل الحب والحرب». كما ترى أن المسلسلات الشامية والحلبية ناجحة جداً، «أشاهدها لأنني أبحث عن رائحة الحارات القديمة، وأشعر بحنين جارف للهجة وأسلوب العيش». وهل ترى أن الدراما السورية تتفوّق على الدراما المصرية؟ تجيب بأنّ الدراما العربية مشهد متكامل، وترفض حصر المقارنة بين مسلسلات دمشق والقاهرة بكون الثانية تنتهج سياسة النجم الواحد، فيما تتميز السورية بتعدد النجوم. وتقول: «هي نظرة مسطحة جداً، فالمسلسلات السورية كانت دائماً جيدة، لكنها لم تنتشر في السابق، بسبب غياب الفضائيات. أما نجاح دراما دمشق فيعود إلى العمل بجهد وانضباط ووعي. أما في القاهرة، فلا يقدّرون قيمة الوقت». لكنها تتذكّر يوم تأخر أحمد زكي عن تصوير أغنية جماعية في فيلم «كابوريا»، فصوّر المخرج خيري بشارة المشاهد من دونه، ما أثار غضب زكي.
في المقابل، تعترض على الهجوم الواسع الذي يُشنّ على الفنانين السوريين العاملين في مصر، متسائلةً: «لماذا نسميه نزوحاً، وهو مجرّد تعاون وتبادل فني. أنا كنت من القادمين من سوريا إلى مصر، وأفرح حين يكمل أحدهم المشوار من بعدي».
وعن تأثير الأوضاع السياسية في المواطن العربي والدراما العربية، تقول إن السياسة خطّ أحمر في الدراما، إلا إذا كانت مراوغة، «ونحن في عصر واضح جداً، لم يعد للرمزية والمراوغة مكانٌ فيه». لكنها تؤمن بقدوم يوم وشيك سيؤرّخ فيه أحدهم لهذه اللحظة الصعبة، كما فعل أسامة أنور عكاشة في سلسلة «ليالي الحلمية». كما تراهن على وعي المواطن العربي، على رغم انشغاله بلقمة عيشه ودوائه وهمومه اليومية: «أثناء الأحداث الكبرى والمفاصل التاريخية، تجدينهم يهبّون معاً. وهذا هو المقياس... كلا، الشوارع العربية لم تمت».
أخيراً، تتمنى رغدة أن تقدم شخصيّة بلقيس، بعد زنوبيا في مسلسل «العبابيد» وأدواراً ملتزمة ومقاومة، كما في فيلم «فتاة من إسرائيل».