محمد خير
لم تنته ردود الفعل على «مهرجان دبي»، وخصوصاً في القاهرة التي عاد مخرجوها صفر اليدين من المسابقة. السينما المصريّة التي «تتعرّض لهجوم من محدثي النعمة» برأي كاتب بارز في الصحافة المستقلّة،هل تقاطع مستقبلاً المهرجانات العربية؟
تتعرّض السينما المصرية لهجوم كاسح وظالم من «حديثي النعمة» في عدد من البلاد العربية. ونعني بحديثي النعمة، هؤلاء الذين بدأوا يحصلون على مناصب في الإدارات والمهرجانات السينمائية في تونس والمغرب وسوريا بالذات. ويخطئ هؤلاء في موقفهم الاستعلائي تجاه السينما المصرية شكلاً ومضموناً. إذ يعتقدون أنّ بلادهم لن تتمكن من اختراق سوق السينما، وخاصة في الخليج من دون ضرب سمعة السينما المصرية. ومن حيث المضمون، يبدو أنّهم مصابون بغرور مبكر، وهو مرض يصيب المراهقين في أي مجال، بما فيه السينما».
ربما لم يصدق القارئ أنّ كاتب هذه الكلمات النارية، واحدٌ من الذين اشتهروا بموضوعيتهم وهدوئهم وثقلهم على المستوى الأكاديمي، ألا وهو الدكتور محمد السيد سعيد، أحد أبرز وجوه حركة «كفاية»، ونائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، ورئيس تحرير صحيفة «البديل» اليسارية. السينما المصريّة المعروفة بريادتها واحتلالها موقع الصدارة عربياً، هل باتت تعيش عقدة اضطهاد إزاء المهرجانات العربيّة بعد إخفاقاتها الأخيرة؟ هل هناك موقف مسبق من مبدعيها وإنتاجاتها حقّاً؟ أهو نزوع «أهل الاطراف» إلى التحررّ من هيمنة «المركز» التاريخي كما يرى بعضهم؟ أم أنّ أفلام السنوات الأخيرة في القاهرة سجّلت تراجعاً فنياً بكل بساطة؟ وهل تكفي مجموعة من المصادفات والنتائج لإصدار أحكام عامة؟
يصدّق القارئ أو لا يصدق، لكنّه سيرى تصاعد وتيرة الانتقادات المصرية المحلّية للمهرجانات السينمائية العربية، إلى حد بدأ فيه الحديث عن «مقاطعة» تلك المهرجانات، أو على المشاركة على الهامش من دون خوض غمار المسابقات الرسمية. وهذه المطالبات بدأت بعد إخفاق الأفلام المصرية في نيل جوائز المهرجانات العربية، لا بمشاركتها الروائية في مهرجان دبي للعام الثاني على التوالي، ولا بمشاركتها الوثائقية في «أبي ظبي». أما «مهرجان مراكش» فلم تشارك الأفلام المصرية في مسابقته الرسمية، بل اقتصر حضورها على الاحتفال بالمئوية المصرية. وهو احتفال لم يرقَ إلى مستوى منح أي من النجوم المصريين حقّ تسليم أي من جوائز المهرجان.
وإذا كانت إخفاقات الأفلام المصرية في المسابقات العربية لم تثر حديثاً محتدماً في الأعوام السابقة، إلا أنّ زيادة إنتاج السينما وانتعاش الصناعة من جهة، وإحساس النقاد بنوع من «الغبن» تعرض له «في شقة مصر الجديدة» لمحمد خان، و«بلد البنات» لعمرو بيومي في «مهرجان دبي» لمصلحة السينما اللبنانية، وخصوصاً برهان علوية... كل ذلك فتح الباب لتأويلات مختلفة لقرارات لجان التحكيم، أكثرها هدوءاً ما قاله الناقد السينمائي طارق الشناوي لـ«الأخبار»: «اعترضت على منح جائزتَي السيناريو والمونتاج في دبي لفيلم برهان علوية. لكنّي أعترض بوصفي مشاهداً وناقداً، لا بوصفي مصرياً. وأرى أنّ لجنة التحكيم قد تكون انحازت إلى تاريخ علوية رغم ما لمحمد خان من تاريخ طويل».
يرفض الشناوي أحاديث المقاطعة، إذ يرى أنّ السينما المصرية ملزمة بالمشاركة، ليس بحكم التاريخ والريادة فحسب، بل بحكم الصناعة. لكنّ هذا لا يمنحها الحق في المطالبة بالجوائز للدوافع السابقة، وإلا يكُن ذلك بمثابة «ليِّ ذراع المهرجانات». ويدعو الشناوي السينمائيين المصريين إلى مراجعة طبيعة الإنتاج المصري الذي ينزوي فيه دور المخرج لحساب نجوم الشباك: «لماذا ننسى أنّ «في شقة مصر الجديدة» فاز بجائزة مهرجان دمشق رغم مشاركة الفيلم السوري «خارج التغطية»، بينما منح مهرجان القاهرة «إشادة خاصة» لفيلم «ألوان السما السابعة» مخالفاً لائحة المهرجان التي تنص على جائزة واحدة للمسابقة العربية؟».
ويختلف الشناوي مع ما كتبه الناقد سمير فريد في جريدة «المصري اليوم» المستقلة. إذ رأى الأخير أنّ لجان التحكيم في المسابقات العربية تنحاز إلى السينما في الدول التي ما زالت الصناعة فيها ناشئة أو محدودة، وتضع تلك اللجان السينما المصرية في الدرجة الثانية من الأولويات على اعتبار أنّها لا تحتاج إلى جوائز. وهو ما اعترض عليه الشناوي: «كل عام، يرفض مهرجان «كان» أفلاماً مصرية ولا يعترف أصحاب تلك الأفلام بذلك ولا يعلنون تقدّمهم للمشاركة في المهرجان الفرنسي الشهير، فهل يمكن اعتبار «كان» متحيزاً بدوره؟».
ولا يمكن فصل الحديث السابق عن سياق أكبر هو التنافس بين «مهرجان القاهرة» وغيره من المهرجانات السينمائية المستحدثة في العالم العربي، إلى درجة تزاحم خمسة مهرجانات عربية في أقل من شهرين كل عام. فيما تُحجم الأفلام المصرية «الجماهيرية» عن المشاركة في المهرجانات لأنها إما تعرف صعوبة تحقيقها لجوائز، أو لأنّها لا تمتلك الوقت. إذ تدور عجلة الإنتاج بسرعة كبيرة، فمن بين 45 فيلماً روائياً أنتجت في 2007، عرضت دور السينما 40 منها، وشهدت السوق دخول 12 مخرجاً جديداً. بعضهم أخرج أكثر من فيلم واحد في عامه الأول في السوق التجارية. وفي وقت تحتفي فيه السينما المصرية بعودة سينما المخرج عبر يوسف شاهين وخالد يوسف وشريف عرفة الذي يحقّق فيلمه «الجزيرة» نجاحاً ساحقاً في دور العرض باعتباره ـــــ حسب النقاد ـــــ أجمل هدايا 2007، إلا أن تيّار السينما الفنية الذي ينتمي إليه من جيل الكبار محمد خان، ومن جيل الشباب هالة خليل قد يجد نفسه ممتنعاً في الأعوام المقبلة عن المشاركة في المهرجانات العربية لدواعٍ إنتاجية، فهذا النوع من السينما غير التجارية لا ينقصه فشل مهرجاني يطيحه تماماً من شباك التذاكر.