إسماعيل طلاي
«الأميركيون يتهمونني بالخيانة، والعرب يعتبرونني جاسوساً»! هكذا يختصر الناطق السابق باسم قوات المارينز في قطر، عمله مراسلاً لـ«الجزيرة الدولية» في واشنطن... جوش راشينغ، لا يهتم بالانتقادات، ولا يخشى التهديدات، بل يمضي قدماً
في إعداد التقارير «التي تستفزّ إدارة جورج بوش»


بعد استقالة جوش راشينغ، الناطق الرسمي باسم قوات المارينز الأميركية في قطر من منصبه، والتحاقه بالطاقم المؤسس لقناة «الجزيرة الدولية» في واشنطن، رأى بعضهم أنّ هذه الخطوة تعني بسط أميركا سيطرتها نهائياً على الخط التحريري للقناة. إلا أن راشينغ يبدي تعاطفاً كبيراً مع العرب، ويعترف بأن الإعلام الغربي ـــــ وخصوصاً الأميركي ـــــ استغلّ اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) لتشويه صورة المسلمين والعرب لدى الرأي العام في الولايات المتحدة. يقرّ بأنه كان شخصياً «ضحيةً لهذا التضليل، حين كنتُ ألتزم بترديد التعليمات التي يمليها عليّ قادة الجيش، وفقاً لما تقتضيه مهماتي ضمن قوات المارينز». ومع ذلك، يجد نفسه اليوم «منبوذاً بين أميركيين يتهمونني بالعمالة، وعرب يعتبرونني جاسوساً وظّفته المخابرات الأميركية لمراقبة قناة «الجزيرة»، والاطلاع على مصادر الأشرطة التي تصلها من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن». هذه الاتهامات، ما زالت تتردد على مسامعه، منذ قرّر أن يحوّل حياته من النقيض إلى النقيض، فخلع بزة الجندي المحتلّ بعد 14 عاماً قضاها في صفوف المارينز، وحمل الميكروفون ليعمل مراسلاً لـ«الجزيرة الدولية» التي لطالما أثارت المتاعب في أرض «اليانكي»!
مسيرة راشينغ المثيرة للجدل، لم تكن أول ما لفت انتباه الصحافيين العرب الذين التقوه الصيف الماضي، على هامش مشاركتهم في دورة «إدوارد مورو»، ضمن برنامج «الزائر الدولي» الذي تستضيفه سنوياً وزارة الخارجية الأميركية.... الرجل المعروف بأناقته وسماته الناعمة، سئل أولاً: إلى أي مدى ساعدتك وسامتك في الحصول على وظيفة ضمن طاقم «الجزيرة الدولية»؟ وحاول آخر أن يستفزّه قائلاً: كيف برجل بهيّ الطلعة مثلك، يصلح لأداء أدوار البطولة في الأفلام الرومانسية، أن ينضم إلى قوات «المارينز»، ويتحوّل إلى مقاتل دموي في العراق؟». فيضٌ من الأسئلة، ما زال يواجهها حتى اليوم، بضحكة عريضة، مستسيغاً تلك «المجاملات». هو لا ينكر أنّ وسامته عاملٌ مهمٌ للنجاح، كأي مذيع أو مراسل يقف أمام الكاميرا، لكنّه يرفض أن يعزو كل نجاحه إلى جماله فحسب. ولكن ما الذي دفعه إلى العمل في «الجزيرة الدولية»؟
يحاول راشينغ جاهداً إقناع سائله بهدف انضمامه إلى «الجزيرة»، بعيداً عمّا يقال في الصالونات وقاعات التحرير. يؤكد أنه يحاول إيصال صوت العرب إلى العالم، ودحض حجج إدارة بوش في ما يتعلق بسياساتها في المنطقة. في المقابل، يدرك راشينغ بأنّه مهما كان فصيح اللسان ومقنع الحجة، فإن سيرته الذاتية ستجعل منه دوماً مثاراً للجدل والشكوك، علماً بأنه تلقّى مراراً تهديدات بالقتل من أميركيين اتهموه بالخيانة...
يتوقف جوش عند فيلم «غرفة التحكم» الذي يعرض وجهات نظر متباينة حول ما يجري في بلاد الرافدين، منذ غزاها رجال رامسفيلد. وهي رؤية مناقضة لما اعتادت الإدارة الأميركية تفسيره عن الأوضاع في بغداد. ويصل الشريط في النهاية إلى قناعة بأنّ «الأميركيين يمتلكون الحق في رؤية ما يجري في العراق، من وجهات نظر متعددة، تتعارض أحياناً كثيرة مع ما يروّج له البيت الأبيض». يتحدث مطولاً عن الوثائقي الذي أخرجته المصرية الأميركية جيهان نجيم، ورصدت فيه الأسلوب الذي تناولت فيه «الجزيرة» تداعيات الحدث. هذا الشريط مثّل نقطة تحول في حياته ومساره المهني. ذلك أنه قدم استقالته من المارينز، إثر مشاركته في الفيلم ومنع قادته أياً من الجنود عن مناقشته. وبعد فترة وجيزة، لم يتردد في قبول عرض عمل من إدارة «الجزيرة»، ليكون ضمن النواة المؤسسة لأول فضائية، تنقل أخباراً من الجنوب نحو الشمال بلغة يفهمها الغرب وفكر يؤمن به العرب. وبمناسبة الحديث عن «الجزيرة الدولية»، ينتقد جوش بشدة الحصار الذي تواجهه «الجزيرة» من قبل الإدارة الأميركية وشركات الـ«كابل» التي ترفض منح المحطة التراخيص للبثّ في عدد من الولايات. يرى راشينغ أن إدارة بوش أساءت التصرف، وكان من الأولى لها أن تتحاور مع «الجزيرة»، عوض أن تناصبها العداء. وعن الحجج التي تقدّمها شركات «الكابل» الأميركية بإيعاز من السلطات الرسمية لمنع «الجزيرة»، يقول: «في بادئ الأمر، كانوا يتحججون بعدم وجود مساحات كافية لإقامة المزيد من الكابلات، ثم قيل إن الأميركيين لا يهتمون أصلاً بالأخبار العالمية، بدليل أن القنوات التلفزيونية والصحف الأميركية تصبّ جل اهتمامها على الشؤون المحلية، فلا داعي لوجود قناة إخبارية مثل «الجزيرة» تهتم أصلاً بشؤون المنطقة العربية»!
النجاح الذي حققته قناة «الجزيرة» بعد 11 سنة من انطلاقها لا يمكن مقارنته بالنجاح المحدود الذي بلغته «الجزيرة الدولية» حتى اليوم. وهذه حقيقة يعترف بها راشينغ، ويعزوها إلى عوامل عدة، أبرزها: «إن القناة بطبعتها العربية، حققت اختراقاً هائلاً وسط شعوب المنطقة. وعدا الكوادر الممتازة التي تحتضنها، وطريقة تناولها للأخبار، ومشاكساتها لهذا النظام أو ذلك، يمكن أن نضيف عامل العاطفة في مخاطبة الجماهير. وهو أسلوب لا نجده في «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزية، ولا يمكن أن ننتهجه فيها بطبيعة الحال. نحن هنا نخاطب جمهوراً مختلفاً، لا تفيد معه العاطفة في نقل الأخبار، وإعداد التقارير عن فلسطين أو العراق مثلاً. أضف إلى ذلك أن ترتيب أهمية المواضيع يختلف بين هذه القناة وتلك، حسب طبيعة المشاهدين». ويستدرك: «هذا لا يعني أن «الجزيرة» الإنكليزية لا تغطي قضايا العراق وفلسطين، بل تفعل ذلك بتحدًّ كبير. وهي لن تخفض سقف الحرية الذي تحظى به القناة الأم، أو تقلل من طرح الأسئلة المصيرية على المسؤولين بمختلف توجهاتهم وتناقض أفكارهم ومصالحهم». ثم يذهب أبعد من ذلك، مؤكداً: «رغم كل ما سبق، لا يمكن ألّا نضيء على إنجازات المحطة خلال أقل من سنة ونصف على انطلاقها. يكفي أن هناك من اعترف بأن مجرد ظهورها مثّل خسارة لإسرائيل، وتخوف من الأثر الإعلامي الذي يمكن أن تحدثه في أوساط الجمهور الغربي. أضف إلى ذلك أن المحطة التي باتت تصل إلى 100 عائلة في العالم، ستبدأ غداً بثها عبر كابل هونغ كونغ، علماً بأننا حصدنا الكثير من الجوائز في نيويورك وسنغافورة ولندن، وغيرها خلال عام 2007».
بعد بداية موفقة، يأمل جوش أن يكون ما أنجزه حتى اليوم، يرنو إلى مستوى تطلعات مسؤولي «الجزيرة» العالمية. ويختم بالقول: «إنني فخور بتجربتي الجديدة، وآمل أن أستمرّ مع «الجزيرة». لكن إن لم يقبلوني، فأنا مضطر للبحث عن قناة أخرى، علماً بأنني سأظلّ في الصحافة حيث أعيش شغفاً، وخصوصاً عند إعداد الوثائقيات والتقارير التي تستفزّ سكّان البيت الأبيض».



قضية هويدا طه إلى الشهر المقبل

أجلّت محكمة مصرية أمس النظر في الطعن المقدّم من هويدا طه، المعدة في قناة «الجزيرة» القطرية، والمدانة بتشويه سمعة مصر الى الشهر المقبل. وكانت محكمة مصرية قد قضت في أيار (مايو) الماضي بسجن طه لمدة ستة أشهر، وتغريمها نحو 5200 دولار أميركي. وذلك، بعد إدانتها بالإساءة الى سمعة مصر عن طريق «تزييف شرائط فيديو لمشاهد تعذيب في أقسام الشرطة». وألقت السلطات المصرية القبض على طه (43 عاماً) في كانون الثاني (يناير) 2006 في مطار القاهرة، وبحوزتها 50 شريط فيديو، تتضمن مقابلات ومشاهد تعذيب في سجون ومراكز الاحتجاز في مصر. وقال مصدر قضائي لـ«يو بي آي»، إن هيئة محكمة جنح مصر الجديدة، قرّرت حجز القضية للحكم فيها في جلسة يوم 11 شباط (فبراير) المقبل. وأشارت النيابة في لائحة الاتهام، إلى أنّ طه استعانت ببعض الشباب، لتصوير مشاهد مفتعلة كوقائع تعذيب، تمهيداً لبثها على شاشة «الجزيرة». إلا أن محامي طه، طالبوا ببراءتها لأن المشاهد المضبوطة في الشرائط، ليست سوى مجرّد محاكاة لوقائع، وأنها حرصت على نقل مختلف وجهات النظر حيال هذه القضية، في الوثائقي «وراء الشمس» الذي عُرض على القناة في نيسان (أبريل) الماضي.