بيار أبي صعب
إذا كانت مسرحيّة ربيع مروّة الأخيرة قد أثارت في بيروت كل هذا السجال، فكيف سيستقبل كتاب فواز طرابلسي الجديد «تاريخ لبنان الحديث ـــــ من الإمارة إلى اتفاق الطائف» (الريّس)؟ في «نانسي/ كذبة نيسان»، يخوض مروّة مجال «التأريخ» في مقاربة مشهديّة. يغرف مادته من ذاكرة الحرب، متورطاً في مشروع تصعب السيطرة عليه. أما مع طرابلسي، فنحن أمام بحث يبدأ من إمارة جبل لبنان التي تشكّلت معها ملامح الكيان السياسي اللبناني أواخر القرن 16، وينتهي (موقتاً) عند اتفاق الطائف... يدرس المؤلف الأحداث والمحطات المؤسسة للبنان الحديث، ويستعيد المفترقات والمفاصل الحاسمة في تاريخ صاخب، ما زال، إلى الآن، قيد التشكّل وفي مهبّ العاصفة. وهو ما يجعل من كتابه مشروعاً اشكالياً، ومثيراً للاهتمام والجدل على السواء...
فواز طرابلسي عرفناه مثقفاً ماركسياً، وناشطاً سياسياً. ثم انكبّ على الدراسة والتأليف، منذ أواسط التسعينيات، وبرز باحثاً ومعلقاً وكاتباً منشغلاً بعناصر مكوّنة للكيان اللبناني: من ميشال شيحا إلى فيروز والرحابنة، مروراً بأحمد فارس الشدياق... وها هو يقف في موقع المؤرّخ، يستعمل منهجه وأدواته، لقراءة صفحات من التاريخ القريب كان فيها طرفاً وشاهداً. وهو ما يجعل بحثه القيّم، الغني بالاضاءات والاحالات والمراجع، محكوماً بتجربته الخاصة. كأن النصف الأول من الكتاب (المرحلة الاقطاعية، المتصرفيّة، الاستقلال، عهد شمعون، التجربة الشهابيّة، الأزمة الاجتماعيّة في السبعينيات)، تمهيد لدخول الراهن الحارق، والتوثيق الكرونولوجي المكثّف للحرب الأهليّة. يرويها طربلسي من موقعه، يفنّد خلفياتها، يستعرض أطرافها، يروي صراعاتها. يرصد إعادة تشكّل المشهد السياسي في دوامتها، ويقدّم خلاصاته... مرجع تاريخي أم شهادة شخصيّة؟ كتاب يُقرأ بشغف، في كلّ الأحوال. وإن كانت تستحسن قراءته، كمراجعة سياسية للحرب الأهليّة اللبنانيّة من وجهة نظر أحد أطرافها.