strong>راجانا حمية
...إلى غير رجعة، نحو البوّابة الأخيرة في لبنان، يحملون أمتعتهم وأشلاء أحلام باتت عصيّة على البقاء في «بلد المهاترات السياسيّة»، في بلد أصبح مع الوقت سفارة للعالم الخارجي. ربّما لم يعد لديهم الخيار للبقاء حيث وُلدوا، فقرروا التوجّه إلى هناك، إلى المطار، مع حقائبهم وبضع «رسائل عن الوضع المعيشي» علّهم ينجحون في إيصالها إلى من «ينقصهم الوعي». عشرات الشباب من جمعيّة «الرابطة الوطنيّة اللبنانيّة» و«حركة الشعب» حملوا، أمس، هموم هؤلاء وبقايا أحلامهم، وتجمّعوا أمام مطار بيروت الدولي، علّهم ينجحون في تحرّكهم الرمزي في جذب السياسيين إلى الأزمة الحقيقيّة للبلاد، ولا سيّما الهجرة والبطالة والغلاء المعيشي «وكلّ شيء غير الكرسي». حملوا الشعارات والتصوّرات وهم يعرفون أنّ «الحكّام عام 2020 سيحكمون أنفسهم» وأنّ «560 ألف مواطن باتوا في الخارج منذ عام 1991».
وإن كان الشباب أمس، قد لجأوا إلى «بروفة» الهجرة من أجل حثّ المعنيين على النظر إلى هموم الشباب الحقيقيّة التي ما عادوا «معنيّين» أصلاً بها، فلم تكن لتمنعهم هم أنفسهم من التفكير في ترك البلد، باستثناء البعض القليل الذي لا تزال بقايا أحلامهم تدعوهم إلى «الأمل بالتغيير». ولكن اللافت أنّ غالبيّة من شارك في التحرّك السلمي، أمس، لم يكن مستعدّاً لتحمل المزيد من المصاعب، بل يرغب في الهجرة بأسرع وقت حتى لو وصل به الأمر إلى «سريلانكا»(!)
لم تكن أريج الدرّ بعيدة عن هذا التصوّر، فبالأمس كانت تحضّر نفسها لما بعد السنتين المقبلتين، حين تنهي دراستها، تحمل في إحدى يديها حقيبة سفر وفي يدها الأخرى بعضاً من الشعارات التي كانت سبباً في هجرة الشباب «65% من الخرّيجين تركوا لبنان عيب عليكن يا حكّام»، وهي تردّد متسائلة «هل يأتي وقت نصبح فيه نحن لاجئين في وطننا؟». أريج مستعدّة لترك لبنان، لكنّها ليست الوحيدة، فحمزة حيدر أيضاً اتّخذ القرار نفسه، وقد يختار أيّ بلد «شرط الابتعاد عن لبنان»، ليس كرهاً به «بل لأنّ الشباب لم يعودوا قادرين على تحمّل الطبقة السياسيّة التي تتلهّى عن مشاكلهم من أجل الكراسي»، فهنا «بضع أقلّيات حالمة ومحاصصة وطائفيّة وغلاء وخبز بالقطّارة». كما طالب محمود فقيه السياسيين بصوت عالٍ «بإيجاد الحلول اللبنانيّة، فنحن لا نريد لا وصاية عربية ولا أجنبية، فلبنان ليس متنزّهاً للدجّالين، نريده لنا، لبنانيّاً بامتياز». أمّا إن رفضوا التغيير ومعالجة أزمة الشباب، فأولى بهم أن يعطوا الشاب حسن زويل مطالبه، فهو إن كان غير قادر في الوقت الحالي على ترك لبنان لكونه المعيل الوحيد لأسرته، فهو يتمنّى على «أصحاب القرار أن يفرضوا حسومات على الفيزا والباسبور والحجوازت، رأفة بـ65% اللي بدهن يفلّوا». رفع الشباب أصواتهم أمس من على بعد أمتار قليلة من مدرج المطار الدولي، كَثُرت الحقائب الموضّبة والطلب واحد... «اسمعونا».