محمد خير
معرض الستة ملايين كتاب ينطلق اليوم، في ظلّ انتعاش حركة النشر في مصر... ما هو مستقبل التظاهرة العريقة التي تبحث سدى عن «رعاة» ونجوم؟ أما زالت المؤسسة الرسمية قادرة على احتضانهاورعاية تطورها وتحولاتها؟

بعد 11 عاماً على رحيلها، تذكّر «معرض القاهرة الدولي للكتاب» سهير القلماوي (1911 ـــــ 1997 )، فقرّرت إدارة المعرض أن تجعلها شخصية العام ضمن فعاليات الدورة الأربعين للمعرض الذي ينطلق اليوم ويستمرّ حتى 4 شباط (فبراير) المقبل.
وسهير القلماوي، لمن لا يعرفها، كاتبة ومترجمة ومثقفة رائدة، ليست فقط أوَّل من أشرف على معرض الكتاب لدى تأسيسه عام 1969، خلال ترؤسها مجلس إدارة «المؤسسة المصرية للتأليف والنشر» (التي صارت لاحقاً «الهيئة المصريّة العامة للكتاب»)، بل إنها أول امرأة تدخل الجامعة المصرية عام 1929، عندما التحقت بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وكان يتولى رئاسة الكلية عميد الأدب العربي طه حسين. ثم حصلت القلماوي على ماجستير من السوربون في باريس عام 1937، عن رسالة عنوانها: «أدب الخوارج في العصر الأموي»، وألحقتها بشهادة الدكتوراه في الأدب عبر دراسة عن «ألف ليلة وليلة»، والتي تُعد حتى الآن إحدى أهم الدراسات التي تناولت الكتاب العربي الأشهر على الإطلاق. كما أنّ القلماوي من أوائل معرّبي مسرحيات شكسبير، وقد لعبت دوراً سياسياً في البرلمان المصري الذي دخلته نهاية السبعينيات.
وإذا كان معرض 2007 قد استضاف الروائي التركي صاحب نوبل، أورهان باموق، فالدورة الأربعون ستستضيف مَن هو أقل شهرة، ألا وهو الفرنسي جيل لوروا صاحب «غونكور» الأدبية الفرنسية لعام 2007 عن روايته «أغنية ألاباما». كما يستضيف المعرض زميل لوروا وفرنسوا فيرغانز الذي تصدّرت المعرض الترجمة العربية لروايته «ثلاثة أيام عند أمي» الحائزة جائزة «غونكور» عام 2005. وتُنشر الترجمة ضمن سلسلة الجوائز التي تصدرها «هيئة الكتاب».
هذه السنة، تقارب العناوين التي يحتويها المعرض ستّة ملايين عنوان، وإن كان معظمها عناوين تراكمية قديمة. إلا أن ذلك لا ينفي الفورة التي شهدتها سوق الكتاب المصري، وخصوصاً على مستوى الكتب الأدبية. وهذه الفورة تؤكدها أرقام التوزيع، وظاهرة إعادة طبع الروايات مرات عدة في العام نفسه. وقد امتدت الظاهرة من علاء الأسواني، الذي صدرت الطبعة 11 من روايته «شيكاغو» في أقل من عام، لتصل إلى العديد من الروائيين الشباب الذين طبعوا أعمالهم للمرة الثانية منذ معرض الكتاب السابق. بينما صدرت طبعات ثالثة لعدد من روائيي جيل الستينيات.
وتتزامن انتعاشة سوق الكتاب مع زيادة عدد الناشرين المشاركين في معرض 2008 إلى 743 ناشراً، أي بزيادة 68 ناشراً عن معرض 2007. وينتمي الناشرون إلى 16 بلداً عربياً و12 دولة أجنبية، ويتوزعون على 43 ناشراً أجنبياً، 178 ناشراً عربياً، 522 ناشراً مصرياً. وتقيم إدارة المعرض، لأوّل مرة، ندوةً تستمر ثلاثة أيام مخصصة للناشرين، بالتنسيق مع معرض لندن الدولي للكتاب. ويُفترض أن تتحوّل تقليداً سنوياً يلتقي خلاله الناشرون العرب أقرانهم من العالم، لمناقشة قضايا النشر مادياً وثقافياً، وتبادل الخبرات والآراء بشأن قضايا حقوق النشر والملكية الفكرية والتبادل الثقافي.
ويُعدّ معرض 2008 الدورة الثالثة التي يستضيف فيها إحدى الدول ضيفة شرف، بعد استضافة ألمانيا في 2006، ثم إيطاليا في 2007. وقد أثار اختيار الإمارات ضيفةً لعام 2008 جدلاً خجولاً، رأى في استضافة الإمارات دليلاً على فشل المعرض. ويرى أصحاب ذلك الرأي أنّه كان أجدى استضافة بلد يمكن «الإفادة» منه على المستوى «الثقافي»، مثل فرنسا، في تلميح إلى البعد المادي والمالي للمؤسسات الثقافية الإماراتية التي لم تشارك بمثقفيها فحسب، بل أيضاً بهيئات جوائزها مثل «جائزة العويس»، و«جائزة زايد للكتاب»، و«جائزة دبي للقرآن الكريم»... إلا أن تلك الاحتجاجات لم تقلِّل من زخم المشاركة الإماراتية التي ستتمثّل في حضور أكثر من 120 مثقفاً من الإمارات، منهم كريم معتوق، خلود المعلا، نجاة مكي، حبيب الصايغ، عبد القادر الريس وميسون صقر.
المشاركة الإماراتية التي تُفتتح غداً بمعرض تشكيلي، تمتد خارج أسوار المعرض لتقيم ندوات وأمسيات شعرية وثقافية وعروضاً تراثية شعبية، وأخرى مسرحية، وذلك في دار الأوبرا المصرية ومتحف محمود مختار وقصر المانسترلي، وقصر الفنون ومسرح الجمهورية.
وتطمح إدارة المعرض إلى تخطي عدد زوار العام الماضي والذي بلغ مليوناً ونصف المليون، بمتوسط 100 ألف زائر يومياً. ومن المعروف أنّ مبيعات المعرض تمثل أكثر من 70 في المئة من مبيعات الكتب في مصر طوال العام. وفي ظل تراجع الحديث عن خصخصة المعرض، أعلنت الإدارة عن ترتيبات جديدة وأطر مختلفة للتنظيم والتنسيق بين الندوات والأجنحة المختلفة. إلا أن رئيس المعرض، ناصر الأنصاري، عقد مؤتمراً صحافياً طالب فيه الصحافيين بالانتظار حتى دورة العام المقبل، كي يشهدوا استكمال التطويرات، وترسيخ التوجهات الجديدة.
وتحتفل الدورة الحالية بمئويات عدّة تزامنت مع المعرض: مئوية الجامعة المصرية، مئوية السينما المصرية، مئوية كلية الفنون الجميلة. كما يحتفل المعرض بعيده الأربعين، وبمرور خمسين عاماً على صدور ثلاثية نجيب محفوظ، ويحتفي خصوصاً بالرواية العربية. وتصدر عن هيئة الكتاب سلسلة جديدة تحت عنوان عام هو «الرواية: قضايا وآفاق».



الإنترنت حليفاً وشريكاً!

في الدورة الحالية من المعرض، تصالح عالما الإنترنت والكتاب الورقي في إطار سلسلة جديدة أصدرتها «دار الشروق» المصرية. السلسلة تحمل اسم «مدوّنة الشروق»، ويصدر عنها ثلاثة كتب في المعرض. تضم الكتب أهم التدوينات لثلاثة من أشهر المدونات المصرية على شبكة الإنترنت: «عايزة أتجوز» لغادة عبد العال، و«رز باللبن لشخصين» لرحاب بسام، و«أما هذه فرقصتي أنا» لغادة محمود (راجع العناوين الإلكترونية للمدونات الثلاث أسفل المقالة).
كما يشهد المعرض أول رواية «غرافيك» مصوّرة مصرية، هي «مترو» للفنان التشكيلي مجدي الشافعي. الرواية التي تصدر عن دار «ملامح»، يميّز مؤلفها بينها وبين القصص المصورة العربية المعهودة، إذ ينسبها إلى فن الغرافيك وتقنيّات الروايات المصوّرة الفرنسية والأميركية، وهي تختلف عن تحويل نص أدبي إلى لوحات مرسومة، وإنما تعتمد على خلق عالمها الخاص. وقد استغرقت عملية إنجاز روايته تلك خمس سنوات.
ويشهد المعرض ظاهرة مستحدثة هي إنشاء مجموعات (groups) على موقع «فايس بووك»، وهي مجموعات لا تكتفي بمناقشة المعرض وفعالياته، والدعاية لبعض الندوات أو دور النشر عبر الموقع ذي الشعبية الواسعة، بل أنشأت عدداً من المجموعات للروايات والدواوين المزمع إصدارها في المعرض. ومن خلال أعداد المشتركين في تلك المجموعات، تحصل الدار على فكرة عن عدد المهتمين بالكتاب من رواد الموقع على الأقل. كما تقدم بعض الدور بينها «ميريت» حسومات على أسعار الكتب يستفيد منها أعضاء مجموعتها على Facebook. أما الروائيون والشعراء ـــــ وخصوصاً الشبان ــــ فيتنافسون على استقطاب أكبر عدد من المستخدمين إلى المجموعات التي أنشأوها لكتبهم، واعتاد معظمهم نشر أجزاء من الرواية أو الديوان في مجموعته على فايس بووك مع صورة لغلاف الكتاب.

مدوّنة غادة عبد العال:
www.wanna-b-a-bride.blogspot.com
مدوّنة رحاب بسام:
www.hadouta.blogspot.com
مدوّنة غادة محمود:
www.ma3nafsi.blogspot.com