strong>منار ديب
في المسلسل السوري «ضيعة ضايعة»، يذهب المخرج الليث حجو إلى أقصى نقطة في الساحل السوري، حيث قرية السمرا القريبة من كسب على الحدود مع تركيا. هناك، يلتقي البحر مع الغابة، ما ساعد المخرج على استثمار الطبيعة الساحرة في المشهدية البصرية لعمله، وتوظيف بيوت هذه القرية الأرمنية كأماكن تصوير حقيقية. هنا، يوسّع الليث حجو، صاحب السلسلة الكوميدية «بقعة ضوء»، إحدى لوحات هذه السلسلة والمأخوذة عن القصة الشهيرة «مع سبق الإصرار» لتشيخوف (تتحدث عن قروي ساذج يفكّ صامولات سكة الحديد، ليثقل بها سنارة صيد السمك). وذلك، ليبني عملاً يقوم على حكايات منفصلة للشخصيات نفسها.
يصف حجو «ضيعة ضايعة» بأنّه كوميديا من نوع الفارس، تعتمد المبالغة في تجسيد الشخصية والشكل والحركة من دون إهمال المضمون. تجري أحداثه في بيئة افتراضية «مكان ما في هذا العالم، قرية «أم الطنافس»، الناجي الوحيد من ثورة التكنولوجيا التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة». ويضيف شارحاً: «لكن مشاكل هذه البيئة تنطبق على مجتمعات أكثر تعقيداً».
قرية السمرا (أم الطنافس) هي الموقع الوحيد للتصوير، على رغم استقلال قصص المسلسل. إلا أنّ المخرج الشاب يحاول أن يجعل المشاهد يعتاد الشخصيات ويفهم تركيبتها النفسية وردود أفعالها مع كل مشكلة جديدة، ومن حلقة إلى أخرى.
في الحلقة الأولى التي عرضت مساء السبت الماضي على قناة «أبو ظبي»، يقدم المخرج تعريفاً للشخصيات الأساسية عبر تعليق صوتي، فيما تنساب الحكاية بالتدريج: أسعد خرشوف (نضال سيجري) وجودة أبو خميس (باسم ياخور) جاران، فيما أسعد الطيب والساذج يبقى عرضة باستمرار لمقالب جودة الشرير والمحتال الذي يسلبه نقوده من خلال المراهنات على أي شيء وكل شيء. ومن الشخصيات الرئيسية: عادل الفسّاد (ناصر مرقبي) عضو الجمعية الفلاحية و«كتّيب» التقارير، مالك الجرار الزراعي الوحيد في القرية، (سنراه في إحدى الحلقات مردداً شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»). إضافة إلى شخصيات تمثّل السلطة، وهي هنا سلطة واهية، كرئيس المخفر (جرجس جبارة) الذي رماه حظه العاثر في قرية وادعة، وهو يحلم أن تحدث جريمة قبل خروجه من الخدمة، والمختار (زهير رمضان) من فقد قيمته كسلطة ولم يعد أحد بحاجة إليه. ومن الشخصيات النسائية ديبة زوجة جودة (تولاي هارون) التي تعاني من قلة احترام زوجها لها، وبديعة زوجة أسعد (آمال سعد الدين) التي تحاول أن تجعل من زوجها رجلاً... هذه الشخصيات المهمّشة ولا وزن لها، تعاني بمعظمها من وهم يصل حدّ المفارقة. الحلقة الأولى التي عرضت السبت الماضي، تظهر كيف يتسبب هوس أسعد وجودة بالمراهنات، وولع عادل بنقل الأخبار حتى الكاذبة منها، بأزمة تتطلب تدخل السلطات من خارج القرية. وهي سلطات فاسدة وقرقوشية، لكن في عمل كهذا يظهر الشر والفساد بوجه إنساني صغير، قليل الإيذاء يثير الابتسام أكثر من الغضب. يعتمد «ضيعة ضايعة» لهجة محلية مغرقة هي لهجة البحر، حتى إن المخرج لجأ إلى وضع ترجمة مكتوبة لبعض العبارات، علماً بأن معظم ممثلي العمل ينتمون إلى منطقة الساحل، فلم تكن هناك حاجة إلى مراقب لهجة مثلاً. يتميز حجو بأناقة بصرية في أعماله، وهو يعتبرها وسيلة أحياناً لإخفاء مطبات في النصوص كما في مسلسل «خلف القضبان» للكاتب هاني السعدي. ويعتقد أن النص يفرض ذلك، ففي «الانتظار» فرض عليه النص تقديم صورة أمينة للواقع. لكنه ينفي تهمة السياحية عن «ضيعة ضايعة»، فالمكان الذي صوّر فيه العمل حيث الطبيعة العذراء البعيدة عن تأثير التكنولوجيا، خدم فكرته.
يذكر أن الليث حجو يحضّر للجزء السادس من «بقعة ضوء» لكنه يرى أن هناك «شروطاً فنية مختلفة الآن لهذا النوع من الأعمال». كما يعمل على إكمال الجزء الثاني من مسلسل «أهل الغرام» مع عدد من الكتاب منهم كوليت بهنا، ورنا إبراهيم، بعد إنجاز 10 حلقات منه. ولدى حجو مشروع لمسلسل بدوي تاريخي بعنوان «فنجان الدم» مع الكاتب عدنان عودة ولمصلحة شركة منتجة عربية. أما «ضيعة ضايعة»، فيتمد إلى 27 حلقة، التأليف للدكتور ممدوح حمادة، والإنتاج لشركة «سامة».
كل سبت 20:30 على «أبو ظبي»