خليل صويلح
العلاقة المثلية بين حنان الهاشمي وخادمتها عليا، ستتدمّر فجأة على يد زوج السيدة المريض، حين تكتشف حنان أنّ الخادمة تسللت ليلاً إلى غرفة السيد تعبث بجسده الرخو. عند هذا الحد، تأمر السيدة خادمتها، في لحظة غضب، أن تغادر القصر على الفور. رواية سمر يزبك «رائحة القرفة» (دار الآداب) تعمل على فحص هذه العلاقة (الآثمة؟)، وأسباب انزلاق حنان الهاشمي إلى هذا العالم السرّي والمحرّم. والرواية تنضم بذلك إلى سلسلة أعمال عربية اشتغلت على هذا الموضوع (السحاق): زينب حنفي في «ملامح»، وصبا الحرز في «الآخرون»، ونهاد سيريس في «حالة شغف». وإذا كانت الروايتان الأولى والثانية تبرران هذا الفضاء الكتيم لكونهما ترصدان واقع المجتمع السعودي المغلق، والثالثة تضيء على مجتمع حلب النسائي «بنات العشرة»، فإن «رائحة القرفة» هي الأولى التي تتناول حياة سيدة دمشقية لم تختبر جسدها كما ينبغي، وها هي تجد في خادمتها الريفية الصغيرة مختبراً لفوران الجسد. من جهتها، تنسجم الخادمة في هذه اللعبة الغامضة والمسلّية، من موقع الندّ في أغلب الأحيان، ما يذكّر بخادمتَي جان جينيه في تبادل الأدوار بين السيدة والخادمة. هكذا، تمضي الرواية على سكّة واحدة من دون أن تحيد عنها في استرجاع أسباب هذه العلاقة ومآلها، بما يشبه قصة طويلة تخلو من التوريق والتأثيث لفروع سردية أخرى... تكتفي بسطوة السحاق بوصفه منطقةً محرّمةً روائياً، لكن من دون إشباعه من الداخل وتفكيك شيفراته العضوية. كأن يزبك معنية بفضح طبقة اجتماعية من موقع الإدانة الطبقية، أكثر من اهتمامها بمصائر شخصياتها وظروفها التي قادتها إلى«الحضيض؟».
من جهة أخرى، تغرق الراوية في وصف مجتمع القاع، مجتمع الخادمة عليا التي جاءت من أحد أحياء الصفيح وعلاقاته الخشنة إلى حياة رغيدة. وحين تُطرد فجر ذلك اليوم الحزين، تسترجع طوال الطريق بؤس الحياة التي ستعود إليها. سرعان ما تندم حنان الهاشمي على طرد «صغيرتها»، لكنّ كبرياءها يمنعها من إعادة الخادمة التي كانت تبتعد في الطريق الموحش. وسنكتشف خلال مونولوغ حنان الطويل أنّها ضحية علاقات أخرى مع سيدات مجتمع متهتّكات، لكن عليا وحدها نجحت في الأخذ بيدها على دروب النشوة، وجعلتها تكتشف لذة الجسد في عالم حلمي من الرغوة ورائحة القرفة. ولن نتعرف إلى تفتح جسد عليا ورغباتها، عدا ذلك المشهد مع الزوج المريض الذي ستُطرد بسببه.
حين نقرأ على الغلاف الأخير عبارة من وزن «تفتح هذه الرواية عوالم مغلقة وممنوعة الإشهار، لأنها تمسّ أكثر مكامن الوجع في روح الإنسان الخائف والمقموع»، نتوقع وليمة إيروتيكية باذخة، لكن سرعان ما يخيب ظننا. ذلك أنّ صاحبة «طفلة السماء» ذهبت إلى مقاصد أخرى، لا تصب في مرمى الحكاية الأصليّة بانخراطها في سيرة عليا وعائلتها والميراث الأسود للفقر. لنقل أخيراً: ها هي روائية سورية تكتب عن السحاق، بعدما استأثرت الروائيات السعوديات بالمشهد المحرّم!