مهى زراقط
شاشة إيرانية، مذيع يرتدي ربطة عنق ويتحدّث الإنكليزية بطلاقة، أسئلة جريئة ونبرة صوت مرتفعة... الحصيلة مقابلات أثارت ضجة إعلامية محلية، وسلّطت الضوء على مكتب «برس تي في» في بيروت


مطلع العام الجاري، أطلّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على شاشات التلفزة اللبنانية، معترفاً بأنه كذب على السوريين مدة خمسة وعشرين عاماً. لم تكن المعلومة جديدة، وليست المرّة الأولى التي يعترف فيها جنبلاط بهذا الأمر، وإن بصيغة مختلفة. الجديد هذه المرة، كان الأسئلة المتتابعة التي طرحها حسين عفيف أحمد، مدير الأخبار في مكتب بيروت لمحطة «برس تي في» الإيرانية، على جنبلاط. تلك الأسئلة تخطّت في جرأتها ما ألفناه في المشهد الإعلامي... لقد تجاوز حدود المتوقّع: «كيف يمكنك أن تكون زعيماً وأنت، طيلة ربع قرن، لم تملك الشجاعة الكافية لتقول إن السوريين هم من قتلوا والدك؟»، إلى المفاجئ والراديكالي في صراحته: «هل كنت تكذب على السوريين كلّ ذلك الوقت؟». هذه الأسئلة أزعجت جنبلاط، ومن تابع المقابلة الكاملة، استمع إليه يقول لمحاوره، في معرض سؤال عن الموالاة والمعارضة: «ما هذا الهراء» (rubbish)... لكنه أيضاً قال لحسين أحمد ذي نبرة الصوت المرتفعة، مرتين على الأقلّ: «لمَ أنت عصبي؟» و«كن هادئاً»... فأجابه الأخير: «لستُ عصبياً بل متحمّس».
إلّا أن من يلتقي حسين أحمد يكتشف أن حماسته خلال لقائه مع جنبلاط، ليست مرتبطة فقط بمضمون الحوار الذي دار بينهما، بقدر ما هي جزء من شخصيته. أبدى زميلنا حماسةً للقاء «الأخبار»، وحماسةً للحديث عن عمله الذي يُسعده، والذي وفّر له فرصة استعمال «مخزون» جمعه على مدى أكثر من 15 عاماً من العمل الإعلامي «في الظلّ».
لقد عمل أحمد سبع سنوات محرّراً في قناة «المنار»، تولّى خلالها، في وقت من الأوقات، رئاسة تحرير موجز إخباري مسائي والقسم العربي والدولي. انتقل بعدها إلى الإعلام المركزي في «حزب الله»، حيث كان مسؤولاً لمدة ثماني سنوات عن العلاقات الإعلامية الدولية. وفي عمله الأخير، حلّ ضيفاً على عدد كبير من المحطات العالمية بصفته ناطقاً إعلامياً باسم الحزب. ضيفٌ يتعرّض غالباً للهجوم والأسئلة «القاسية جداً» كما يصفها، وهو المضطر للدفاع عن «حزب إرهابي يقتل المدنيين» (!). لكنّ هذا الأسلوب لم يكن يزعجه «لأني أحب هذه الطريقة الصريحة والمباشرة في الحوار، وأكره المطوّلات والأسلوب القديم».
فلسفة حسين أحمد في ممارسة مهنته، تبدو للوهلة الأولى بسيطة : «المواجهة مع السياسي الذي أقصده بهدف الحصول على ثلاثة أشياء: المعلومات، الوقائع والأرقام». وعندما يلتقي ضيفه يكون قليل الكلام قبل الحوار: «لا رغبة لديّ في إجراء دردشة مع السياسي. تبدأ الساعة صفر، وتبدأ معها المواجهة للوصول إلى المعلومة».
ويؤكد أحمد الذي انطلق برنامجه «من بيروت» قبل شهرين تقريباًً، أنه حصل على معلومات في كلّ المقابلات التي أجراها حتّى اليوم (سليم الحص، أمين الجميل، بطرس حرب، جهاد أزعور...). لكن اللبنانيين اطّلعوا فقط على ما قاله جنبلاط والجنرال ميشال عون، لأن المحطة وزّعت مضمون ما قالاه على وسائل الإعلام اللبنانية. «بعد المقابلة مع جنبلاط، شعرت بأنه قال كلاماً كبيراً يجب أن يسمعه اللبنانيون. إضافة إلى أنه سألني بعد اللقاء إن كنا سنبثّها محلياً». واستناداً إلى المنطق نفسه، لم يكن ممكناً عدم بثّ مقابلة عون، وقد كشف فيها عن وثيقة سرية تتضمن رأي الرئيس رفيق الحريري بتوطين الفلسطينيين. في الحالتين لم يكن الأمر مخططاً له، أو بقصد الدعاية، علماً بأنها تحققت فعلاً. وتعرّف الجمهور إلى إعلامي لبناني، فراحوا يتساءلون عن جنسيته: إيرانية؟ أميركية؟...
يبتسم أحمد، ولا يخفي سعادته بنجاحه وشهرته في هذا الوقت القصير: «حتى الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليُعرف». لكنه يحرص على ردّ الجميل إلى صاحبه: «لم يكن في نيّتي أبداً تقديم برنامج سياسي، لكن المدير الإقليمي للمحطة، السيّد سياواش سرمدي، أصرّ عليّ إلى أن وافقت، وأنا مدين له بذلك».
أما البرنامج الذي كان حسين أحمد يرغب بتقديمه، فبرنامج يحمل عنوان «قضية ساخنة»، يتناول فيه المواضيع المحرّمة: اجتماعية وسياسية وثقافية. وذلك، «للخروج من التحفظات الشرقية في مقاربة الأشياء. هناك موروثات اجتماعية وثقافية تصل بنا إلى نتيجة سلبية، وأنا أريد أن أطرح أسئلة ساخنة بشأنها. لكن هذا البرنامج مكلف مادياً، ربما أستطيع تحقيقه يوماً».
وإلى أن يأتي هذا اليوم، وافق على تقديم برنامج سياسي وضعه أمام التحدّي: «في خضم هذا الكمّ الهائل من البرامج السياسية الحوارية، كان يجب التفكير بشيء مختلف، بأسلوب خاص وقادر على لفت الانتباه. الناس عموماً، ورجال السياسة تحديداً، غير معتادين على طرح الأسئلة الجريئة، أنا طرحتها. أتعلمين؟ قبل الذهاب إلى أي مقابلة أفكر بأني ذاهب للحصول على معلومات جديدة تهمّ الرأي العام، وأريد الوصول إلى قلب الهدف مباشرة».
الاختلاف لا يتعلق فقط بأسلوب الحوار، بل بكلّ الظروف المرافقة للعمل: «يعمل 15 شخصاً على برنامج «من بيروت»، يستغرق وقت تحضير مكان اللقاء وتركيب الإضاءة نحو ثلاث ساعات». لا يكتفي أحمد بالكلام عن هذه التحضيرات، بل يدعونا إلى مشاهدة نماذج من كل الحلقات التي تظهر جمالية المشهد، وهو ما تقوم به شركة متخصصة يستعين بها مكتب المحطة... إضافة إلى «ربطة العنق» التي يرتديها. يضحك لدى سماعه هذا السؤال، ويعترف بأن الزيّ غير مألوف على الشاشات الإيرانية، «لكني طلبت ارتداءه لأني أريد للمشهد أن يكتمل». هذه الملاحظة تكشف رؤية أحمد للحوار التلفزيوني على أنه «مشهد من فيلم يجب أن تتوافر فيه كل العناصر البصرية والتقنية، إضافة إلى مضمون الحوار أساساً طبعاً».
حسين عفيف أحمد هو شقيق مدير الأخبار في «المنار» محمد عفيف. يؤكد أن شقيقه سعيد بنجاحه، لم ينتقده بعد، بل يشجعه، «وفوجئ بي»، يقول ضاحكاً... ويضحك أكثر عندما نسأله عن انتقاداته هو لأخيه: «هو قدير في عمله، لا انتقاد لديّ»! لكنه يرتبك لدى السؤال عن تقويمه لنشرة أخبار «المنار»، ويجيب متهرّباً من إعطاء موقف: «الإنسان لا يرضى حتى عن ذاته عموماً». ربما لذلك، يتخوّف أحمد من عدم سهولة الحصول على مقابلات ثانية مع أشخاص قابلهم: «أرجّح أن الجميع انزعج مني، لكني آمل أن يقدّروا أني كنت أقول لهم دائماً بأن يتحمّلوا طريقة أسئلتي... لأني سأكون محامي الشيطان».
محامي الشيطان يَعد بمقابلة قريبة جداً مع الأمين العام لـ«حزب الله»... ترى هل يواصل المسؤول الإعلامي السابق في «حزب الله» رهانه على الأسلوب الهجومي المباشر، في مواجهة السيد حسن نصر الله؟ هل يتعاطى مع هذا الضيف الخاص، بصفته «فريسة» ينقضّ عليها منذ السؤال الأول كما يفعل، أم أن عمامة السيّد ستهدي محامي «الشيطان» إلى الصراط (الإعلامي) «المستقيم»؟