بيار أبي صعب
حجب الدخان الكثيفة تعزلهم عنا أحياناً... لكننا نعرف أنّهم هنا، قربنا. نتخيّلهم وجهاً وجهاً. نتسقّط كلماتهم... كي نتجرّعها ترياقاً. ننتظر اجتهاداتهم الإبداعيّة والفكريّة: كي نغوص في مراياها بحثاً عن شيء من وجعنا الباقي في أرض العرب الأولى، بلاد عبد الله القصيمي وعبد الرحمن منيف ومحمد الغذامي.
إنّهم السعوديّة... مثقفوها، صوتها الآخر، وجهها الحقيقي الذي عجزت كل الأحكام التعميمية والأفكار المسبقة عن تشويهه، في زمن الأصوليات التي ترتوي بالنفط، ثم تشرّع الأبواب أمام البرابرة الجدد. هناك خيط سرّي يربط بين عصيّ المطاوعة من جهة، والحقد الأعمى الذي يقتل الأطفال في قانا وغزّة وبغداد. من يحجب عنّا شمس الحريّة ويعلمنا التعصّب والانغلاق والخوف من الآخر، هو نفسه الذي يبيعنا الليبراليّة البخسة والديموقراطيّة المغشوشة في أرض المجزرة...
وهذا يعرفه المثقفون السعوديّون جيّداً، إذ يقفون في صفوف المواجهة الأولى. يخوضون معارك الحريّة هناك عنّا جميعاً، كما صمد المقاومون في مارون الراس عن كلّ العرب. لذلك كان طبيعياً أن يصدر عنهم بيان يدعو إلى الاعتراف بحقّ الشعوب العربية في «المقاومة» دفاعاً عن سيادتها، وهو حق يضمنه الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان. ثلاثون مثقفاً ومبدعاً وناشطاً، يطالبون «كل القوى الخيّرة بدعم فصائل المقاومة الوطنية في فلسطين ولبنان والعراق ومساندتها، باعتبارها (...) البديل القادر على إطلاق القدرات الخلاقة للأمة». كي يأتي يوم يصبح فيه بوسع المرأة أن تعيش وتعشق وتقود السيارة، على هواها، في المملكة السعوديّة!