strong>بيسان طي
هذا المساء، لبنان أو «الفسيفساء التي ستنفجر»، سيحلّ ضيفاً على قناة «آرتي»، عبر عرض فيلمي «هيدا لبنان» لإليان الراهب و«جنوب» لنزار حسن. موعدٌ فاجأ المخرجَين، إذ كانا قد اتفقا مع المحطة على عرض عمليهما في 14 شباط (فبراير) المقبل، في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
المشاهدون سيتابعون الليلة نسخة «مقتضبة»ــ إذا صحّ التعبير ــ من «جنوب» تستمر ّ 58 دقيقة، فالنسخة المطوّلة من الفيلم مدتها 75 دقيقة، يفكّر حسن بعرضها لاحقاً في بيروت. وهو قطع المسافات من الناصرة إلى لبنان ليبحث كيف يستكمل القصة التي بدأت مع فيلمه «كرم أبو خليل». في الكرم، رواية عن حلم جدّ حسن الذي أجهضته دولة إسرائيل، فقد كان الجدّ تاجراً، فضاؤه ومنطقته ما يعرف الآن بجنوب لبنان وشمال فلسطين، و«ما عرف دائماً بالجليل وجبل عامل، امتداداً لوحدة واحدة». لذا، أراد حسن أن يوحّد الفيلمان ما قطعت أوصاله إسرائيل، ربما لذلك كان إصرار المخرج، وهو من فلسطينيي 48، على الحصول على تأشيرة للمجيء إلى لبنان. «جنوب» هو فيلم عن الشيعة، وإن كانت بعض شخصياته ليست من الجنوب اللبناني، إلّا أنها جميعها شخصيات شيعية. يبدأ الشريط في الضاحية الجنوبية، لينتقل إلى عيتا الشعب حيث يقف أحد أبطال المقاومة في حرب تموز عند إحدى التلال، ويدلّ بيده قائلاً: «فلسطين هناك عند التلة المقابلة».
شخصيات الفيلم متنوعة: مثقفون، صحافيون، عمال... بعضهم مساندون لحزب الله في حرب تموز وآخرون معارضون له. ربما كان السؤال عن الموقف من العدوان من أهم مشاغل الفيلم، لكنّ نزار حسن بحث عن أمور أخرى: سأل عن ماضي شخصياته، نقلها إلى مواجهة مع الموت، في زيارات إلى أضرحة الأحباء. عاد بهم إلى أمكنتهم الأولى، دخل بيوتهم، تابعهم وهم يتناولون طعامهم، التقى أهاليهم، صوّر مجالس عاشوراء، وسأل كلّ شخصية في الفيلم: «ماذا يعني لك أن تكون شيعياً؟». كما دخل المخرج فيلمه، يسأل، يطلّ في كادر الصورة، مع آخرين من فريق العمل. هو بمشاركته هذه، يزيد الرابط بينه وبين عمله، ويصير جزءاً من القصة التي يبحث عن كيفية إعادة تكوينها.
إليان الراهب هي أيضاً تبحث في فيلمها عن قصّتها، نشاهدها على أحد أوتوسترادات بيروت، متجهة نحو الجبل خلال حرب تموز، نسمع أصوات القنابل تنهمر على ضاحية بيروت الجنوبية. العنوان نفسه عبارة حفظتها إليان لكثرة ما ترددت على مسامعها: «هيدا لبنان». وهي في هذا الفيلم تبحث عن تحديد له، تدخل أياماً في يوميات شخصياتها، في طقوسهم، في عاداتهم ولغتهم المحكية (أو لغاتهم؟)، تصعد، نراها مع صديقتها زينة في «العلية» تبحثان عن كتاب التاريخ. ثم تتجول في بيروت وفي منطقة المصنع ـ عند الحدود اللبنانية السورية ـ أو في كفرشوبا... ستلتقط الكاميرا تظاهرات تلت اغتيال الحريري، ولحظات من عمليات الاقتراع في الانتخابات النيابية الأخيرة.
انتهت الحرب الأهلية عام 1975، وعاش اللبنانيون 15 سنة على أمل ألا تعود، كانوا خلالها منقسمين: بعضهم راضٍ بالوجود السوري ومرتبط به، وآخرون مهمشون ورافضون له. لكن إليان تعود من خلال تعليقها على الفيلم إلى ما قبل تلك الفترة، إلى الحرب نفسها وبعض رجالاتها، إلى شعارات طائفية لم تختف من نفوس الناس خلال فترة السلم... «شو لبنان بلا الموارنة؟» من الجمل التي نسمعها، وسيوحي بعضهم بأنّ مشاكل لبنان ستنتهي بعد رحيل الجيش السوري عنه. وإذا كان المشاهد سيتساءل: هل حقاً ذهبت الحرب «بلا رجعة»؟ فإن أليان كانت في فيلمها تبحث عن أولئك الذين لا يفقدون الأمل.
أراد المخرجان من خلال فيلميهما أن يصورا أجزاءً من المجتمع اللبناني، لكنهما سيدفعان بالمشاهدين بالتأكيد إلى طرح أسئلة كثيرة عن قناعات اللبنانيين، عن الحالة الطائفية... وربما عن مستقبل البلد الذي نختصر تناقضاته دائماً بعبارة... «هيدا لبنان».
«هيدا لبنان» 23:25/ «جنوب» 00:30 على arte